الحوار مع الإخوان
لا شك أن هناك محاولات مستميتة وسعي حثيث من تيارات الإسلام السياسي بالإضافة إلى أطراف مستفيدة وأخرى لديها أطماع في المنطقة لإطلاق موجة جديدة من الفوضى في العالم العربي والعودة إلى مشاهد الاضطرابات وافتعال المشكلات وخلق الفتن على غرار ما كان في مرحلة ما يسمى بـ «الربيع العربي» لكن هذه المرة عبر استراتيجيات وتكتيكات وأدوات جديدة تتكيف مع أهدافهم في التغلغل بين أوساط المجتمعات عبر أدوات خبيثة تقليدية وأخرى غير تقليدية مستفيدين من تجاربهم السابقة من خلال تفادي ما يرونه أخطاء أوقعتهم في شراك مصيرهم الحالي وذلك لإعادة تحقيق التأثير وحشد الجماهير وخلق الفوضى من جديد.
تلك التنظيمات تعمل ضمن أجندات خطط لها جيداً في سراديب السايكولوجية الشيطانية ولذلك فالاعتقاد بأن مواجهة الإخوان الإرهابيين والدخول معهم في حوارات ونقاشات عامة بهدف إظهار زيفهم أو إفحامهم وكسر شوكتهم بطريقة أو بأخرى على أنه كسب معركة أو حرب أو يحقق انتصاراً كبيراً ضد التنظيم فذلك محض وهم، لأسباب عديدة منها أن الفرد في الخلايا الإخوانية غير معني بصورته أو سمعته فهو يقاتل ضمن منظومة إديولوجية لا تعير أية أهمية لمبادئ الفكر والقيم أو الشرف والأخلاق والحياء أو حفظ ماء الوجه فهو شخصية ميكافيلية بامتياز يرى الغاية تبرر الوسيلة أي أنه يؤدي وظيفة تخدم أهدافا تنظيمية يراها عملاً مقدساً ولذلك هو غير معني باستجلاء الحقيقة بقدر ما أنه على استعداد أن يضحي بكل شيء وبنفسه من مبدأ عقائدي تربى عليه سنين طويلة، ليثبت أن فكره الشيطاني منهج حياة.
لابد من التذكير أن الإخوان كحركة إرهابية أعضاؤها شخصيات باطنية كأي حركة متمردة عبر التاريخ يتمتعون بقدرة عالية على المراوغة وممارسة التمويه وصناعة الدسائس والمكر ويوظفون الخداع وهو واحد من أدبياتهم باعتباره أداة مهمة في مواجهة خصومهم وفي جس نبض المجتمعات في القضايا العامة ثم بعد ذلك يقومون عبر الحيل بنصب الفخاخ وإيقاع الضحايا عبر أساليب التضليل وعبر أساليب التخفي بين العوام بأسماء وشخوص وهمية «افتراضية» تساندهم بشكل ضمني ويتم إكسابهم وجوداً يضلل الناس ليتم استخدامهم في المستقبل عبر أدوار الظل في تعزيز اندماجهم في المشهد الاجتماعي وهذا الأسلوب بالنسبة لهم من أساليب الحرب النفسية التي يراهنون عليها في المستقبل وهي واحدة من أوجه الحروب التقليدية وسلاح قديم استخدمته الحركات التمردية وسبق أن استخدمه كثير من الإرهابيين كأمثال حسن الصباح وأتباعه مع الدولة السلجوقية.
من تلك الاستراتيجيات المعتمدة التي تراهن عليها التنظيمات السرية اليوم استدراج الشخصيات الوطنية عبر خلق حوارات ليس بالضرورة أن تكون ذات قيمة بقدر ما أنها تحقق مكاسب دعائية وتحويل ما هو غير عادي إلى حالة اعتيادية وسلك سبل تحقق توقعاتهم وطموحاتهم ثم بعد ذلك إحداث نوع من التصادم والصدع المجتمعي عبر إغراق المحتوى بكم كبير من الأكاذيب والمواضيع الجدلية بالتشكيك والتضليل والجدال والتزييف والهدف من ذلك كله هو خلق بيئة تنمي المشاعر السلبية وتغذيتها عبر زرع الكراهية والشعور بالهزيمة النفسية ثم الاستثمار في اليأس وسقي بذور الاحباط والاستياء في قلوب ضعاف النفوس أي خلق حالة من الإرباك في المجتمع واستهدافه وتقسيمه إلى فسطاطين وبالتالي يوفر لها الظروف والفرص لكسب متعاطفين والعمل عليهم لتحويلهم كأتباع محتملين ثم تحويلهم إلى أدوات داخل المجتمعات بطرق غير مباشرة وتوظيفهم كحطب يغذي الصراعات وهذا الأمر استراتيجي بالنسبة لهم.
ومن تلك التكتيكات والاستراتيجيات التي تهدف إلى اختراق المجتمع والتغلغل فيه لتحقيق مكاسب في سياق استهدافنا :
-إيجاد موطئ قدم لهم في الداخل يقدمهم باعتبارهم جزءاً من تركيبة المجتمع وأنهم مواطنين «معارضين» وإثبات فكرة وطنيتهم وإن كانت بطرق مزيفة في وجدان العوام. -إكساب قضيتهم الزائفة أرضية تخولهم مناقشة الشأن المحلي وتسميم العقول عبر مداخل وأفكار وأساليب لكسب المتعاطفين والتلاعب بمشاعر الناس.
- صناعة نماذج على هيئة "معارضين" دون وعي يتم إيقاعهم في الفخاخ التي يتم نصبها عن بعد بهدف رسم سيناريوهات تماثل القبض على سين من الناس ثم المتجارة بهم دولياً عبر الإعلام التضليلي.
- إحداث نسق فوضى يوفر الفرص لوسائل الإعلام المضللة لصناعة الأخبار وتزييف الحقائق وافتعال الاضطرابات.
- خلق بيئة ظل جديدة لتحقيق أجندات التأثير عبر استراتيجية ادعاء الحق والمظلومية.
- الترويج لمشروعهم الخبيث باعتباره قضية عادلة وتقديمه كبديل مفترض وطبيعي وإيهام العوام أنهم أصحاب مشروع دولة إسلامية نفاذة تعيد ما يطلقون عليه الخلافة الإسلامية التي تقدم الحلول السحرية دنيويا.
- تجيير المكتسبات والانجازات الفكرية التي حققتها الدولة الوطنية على مستوى القوانين وحقوق الإنسان وإيهام العوام أنهم هم كانوا الدافع والمحرض الأول لتحقيقها وإجبار الدولة على تطوير تلك القوانين.
- محاولاتهم التواصل مع من كانت تربطه بهم أواصر قربى باعتبارهم هدفاً يوفر منفذاً عاطفياً ثم التوسع عبر تلك الاستراتيجية.
- الرهان على محاولة دق إسفين بين أبناء الشعب الواحد وبث الشكوك بأسلوب زرع بذور الفرقة والشك والريبة من مبدأ "فرّق تسد".
- محاولات إظهار القيادات والشرفاء بمظهر الأشرار.
- خلط أوراق واقعهم بالمثالية المزيفة وبث التصورات الخاطئة والزعم أنهم يملكون الحق والادعاء وأنهم يعملون من أجل مصالح الشعب.
- الادعاء بأنهم أكثر تفوقاً من الشعب وأنهم وطنيون بزعمهم رغم أنهم في حقيقتهم لا يؤمنون أصلا بالدولة الوطنية.
وعليه من المهم التأكيد على أننا في الإمارات لا نواجه تنظيماً إماراتياً إنما نواجه تنظيماً دولياً إرهابياً لديه رؤوس أموال وتدعمه دول لديها أطماع وأجندات خبيثة وهذا المفهوم قد يكون غائباً أو غير معلوم لدى الذين هم في بداية العشرين من أعمارهم لأنهم لم يعايشوا تلك الأحداث الصادمة في مرحلة الفوضى التي عمت العالم العربي وهذه النقطة واحدة من الأمور التي يراهن التنظيم الدولي على العمل عليها واستثمارها ولديه في ذلك أدواته التي سيحاول أن يستخدمها للترويج لمشروعه عند هذه الفئة المهمة والتي تشكل النسبة الأكبر في مجتمعنا وكل ذلك عبر التضليل وخلق الأكاذيب وتزييف الحقائق.
هؤلاء الإرهابيون خضعوا لدورات تدريبية مكثفة وتمرسوا على فنون الخديعة واستراتيجيات الضغط على الحكومات وتدربوا على آليات السيطرة على الجماهير وكيفية إدارتها وعلى خلق المعضلات والمشكلات وبث الاضطرابات والمناورة عبر العاطفة والدين وشعارات المطالب الحقوقية وممارسة دور الضحية وادعاء المظلومية ويعملون ضمن خطط مدروسة ولديهم خبرة طويلة في الاستقطاب والاستدراج والتسلل عبر الأفكار وإثارة القلاقل والعمل في الخفاء ولا شك أن هناك دول توفر لهم الدعم وتوفر لهم الممكنات ويتم تدريبهم عبر دهاليز وسراديب استخباراتية.
سيقول قائل أن الفضاء المفتوح يوفر لهم الفرصة لبث سمومهم فلماذا لا نناقشهم أقول إن التحدي في الحوار مع الشخصيات الباطنية يكمن في الفخاخ التي يتم نصبها عبر تلك الحوارات لضمان وصول الرسائل التي يرغبون في تمريرها ولتحقيق أهداف بعيدة عن المواجهات الفكرية فهم في حقيقتهم صداميون وإقصائيون وأصحاب قناعات براقة وإن كانت باطلة فهي متجذرة في نفوسهم وبرمجت عقولهم عليها لسنين طويلة وثقافتهم تنحصر في التعاطي فقط مع من يشاركهم أهدافهم الخبيثة ويحاولون التعريف بمشروعهم الموازي تحت شعارات مزيفة.
وبرغم ذلك فإن عدم الدخول في نقاش مباشر معهم لا يعني عدم مواجهة مشروعهم الخبيث أو عدم التعريف بخطورتهم وتفنيد أكاذيبهم وترهاتهم بل على العكس تماماً إن استثمار هذا الفضاء الواسع يوفر فرصة كبيرة لمواجهتهم وتحييدهم بل والقضاء على مشروعهم ولكن ذلك يكون بمعزل عن الخوض المباشر معهم ففي فكرة إقصائهم رمزية نفي لهم وجعلهم منبوذين من أفراد المجتمع ويوفر ذلك أيضاً فرصة الضغط عليهم نفسياً ويؤكد لهم أنهم لا ينتمون إلى هذا المجتمع لا من قريب ولا من بعيد.
كما إن من الحلول في مواجهة هذا التنظيم وأعضائه هو في زيادة ورفع مستوى الوعي وتعزيز المعرفة لدى الجمهور وتعزيز مبادئ الدولة الوطنية في نفوس الأجيال الحالية وخلق استراتيجيات جديدة في التعاطى مع أوعية التواصل الاجتماعي والتعامل مع هذا التنظيم باعتبار أن الحرب معه حرب طويلة بل هي حرب وجودية ومن المهم تجنب تداول الأخبار المقلقة التي ترتبط بهم.
كما أن الاستمرار في تعزيز الخطاب التنويري وإيجاد قطيعة مع الأفكار الماضوية التي تغذي كل فكرة إيديولوجية مزيفة والاعتزاز بالحاضر والتطلع إلى المستقبل من الطرق الناجعة في مواجهة الأفكار المتطرفة والارتكاز على مبادئ وخطوات التعلم المستمر المواكب للعصرنة والحداثة وخلق جيل يؤمن بالقيم الوطنية اعتزازاً واعتداداً والإيمان بالفكر المنفتح وبمبادئ التسامح والمحبة والأخوة الإنسانية وكل ذلك كفيل بعزل تلك التنظيمات وتجميد دورها وتعطيل مشروعها الأيديولوجي.
محمد المبارك