عبدالله بن زايد يشهد أولى محاضرات مجلس محمد بن زايد الرمضانية بعنوان "الأخوة الإنسانية والتسامح: رسالة الأديان"
الدار – وام/
شهد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي المحاضرة التي استضافها عن بعد مجلس محمد بن زايد تحت عنوان "الأخوة الإنسانية والتسامح: رسالة الأديان" والتي تناولت القيم الإنسانية المشتركة التي حثت عليها جميع الديانات والرسالات السماوية أولها التسامح والتعايش والتراحم والأخوة الإنسانية بين البشر.
وشارك في المحاضرة فضيلة الشيخ عبدالله بن بية رئيس مجلس الإمارات للإفتاء رئيس منتدى تعزيز السلم والدكتور المطران بول هيندر النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية والحاخام الدكتور إيلي عبادي ..
كما تضمنت المحاضرة عرض مقطع فيديو سلط الضوء على دور دولة الإمارات ومبادراتها الخيرة في تعزيز الأخوة الإنسانية وقيم التسامح والتعايش بين المجتمعات والثقافات المختلفة وأظهر جوانب من كنيسة ودير صير بني ياس ومسجد السيدة مريم والبيت الإبراهيمي الذي يتم بناؤه حاليا.
وتحدث خلالها الدكتور يوسف العبيدلي مدير عام مركز جامع الشيخ زايد الكبير ومدير عام صرح زايد المؤسس والداعية مريم الزيدي من الشؤون الإسلامية والأوقاف وبيتر هيلير خبير آثار.
ونقل سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في بداية الجلسة إلى المشاركين تحيات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وأطيب تمنياته لهم وعائلاتهم دوام الصحة والعافية والسعادة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.
كما هنأ سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان الضيوف ..سائلاً الله تعالى لهم في هذا الشهر الكريم الصحة والسعادة وأن يعم الخير والسلام العالم أجمع ..معرباً عن سعادته بالمشاركة في هذه المحاضرة القيمة
وقال سموه إنها المرة الثانية التي يمر علينا هذا الشهر الفضيل وما زالت جائحة "كوفيد -19" منتشرة لكن أملنا يتجدد في مواجهة هذا الوباء سواء كان على المستوى العلمي أو على المستويين الاقتصادي والسياسي وقبل كل ذلك الأمل برحمة الله عز وجل أن يزيل عنا هذه الغمة قريبا بالدعاء أولاً ثم بجهود أصحاب العلم والعزيمة.
وأكد المحاضرون والمشاركون خلال الجلسة أن التسامح والتعايش والتراحم بين البشر قيم إنسانية عظيمة مشتركة حثت على إعلائها وتعزيزها جميع الديانات والرسالات السماوية ..مشددين على أنها تنهل من منبع واحد ومصدرها إله واحد.
ومن جانبه دعا فضيلة الشيخ عبدالله بن بية رئيس مجلس الإمارات للإفتاء رئيس منتدى تعزيز السلم إلى إيجاد نظرة جديدة للعلاقات البشرية لأن البشر اليوم مثل ركاب السفينة يحكمهم مصير واحد ..وكذلك سكان كوكب الأرض هم في سفينة واحدة إن لم يتعاونوا على صيانتها فمصيرهم الفناء ..
وهذا المعنى تتجلى أهميته وتتضح رمزيته في الأزمات المناخية والصحية والكوارث التي تكون بسبب البشر حيث يدرك الناس أنه لا نجاة لبعضهم دون نجاة الجميع ولا سعادة إلا حين تعم السعادة الآخرين.
وأضاف ابن بية أن الحوار هو البحث عن أرضية مشتركة للوصول إلى الأهداف النافعة وهو بين أتباع الأديان ينتقل من الاعتراف بالآخر إلى التعارف والتعرف عليه وهو تواصل فاعل مع الآخر ليكون أخا فكل مختلف هو عضو بالضرورة في أحد المجتمعات الثلاثة ..مجتمع الديانة الواحدة ومجتمع الديانات السماوية ومجتمع الإنسانية ..
وفي كل دائرة من هذه الدوائر يوجد من الوسائل والمشتركات ما يجمع ولا يفرق وإن واجبنا هو أن نجعل الدين حافزا للتعايش لا حاجزا يحول دونه.
وأوضح أن التحدي الذي يواجه الأفكار النبيلة يتمثل دائما في تحويلها إلى مشاريع وأعمال على أرض الواقع وهذا ما فعلته دولة الإمارات من خلال تفعيل جوهر الأديان وإبراز دورها الإيجابي في خدمة البشرية ولأن دولة الإمارات بلد المبادرات فقد كان لها السبق في إطلاق وثائق مثل "وثيقة الأخوة الإنسانية" التي تدعو إلى مبدأ الكرامة الإنسانية والعدالة وفي الوقت نفسه إلى التسامح والسلم والرحمة والتضامن ..
وهو ما يؤسس لنموذج متوازن من التسامح المهذب والحرية المسؤولة والمواطنة الإيجابية.
وأضاف أن هناك قيماً أزلية تزكيها النبوات والرسالات وتتلقاها العقول بالقبول منها قيمة الحياة والكرامة وتلك المتعلقة بالكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال ..
وأهم القيم المشتركة بين الأديان بعد الإيمان بالله تعالى وعبادته هي إعلاء كرامة الإنسان واحترام عصمته فالبشر جميعا على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم ..كرمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام ..
ونشأت عن قيمة الكرامة الإنسانية قيمة أخرى هي المسؤولية والثالثة قيمة السلام التي تدعو إليها جميع الأديان.
من جهته قال الدكتور المطران بول هيندر: "قبل حوالي 50 عاما عندما كنت أدرس في الجامعة لم يكن يخطر ببالي أن أرى مسيحياً ومسلماً ويهودياً في مكان واحد يتعاملون ويتعايشون مع بعضهم البعض، بتفاهم وسلام دون وجود خلاف وصراع".
وأشار إلى سعادته وهو يرى توقيع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية "وثيقة الأخوة الإنسانية" بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والعديد من الشخصيات المهمة من الإمارات والعالم ..
وقال إن مثل هذه الصور لم نكن لنراها إلا بفضل الله أولاً ثم بوجود أشخاص من جميع الأطراف لديهم الإرادة والرؤية والشجاعة لجعل هذا الأمر ممكناً وحقيقة في عالمنا.
وأضاف أن وجود الكنيسة والمسجد ومقر وزارة التسامح والتعايش في مكان واحد في أبوظبي ليس حدثا عرضيا أو مصادفة ..
وإنما هو تجسيد لرؤى وفكر أشخاص يؤمنون بالأخوة الإنسانية وضرورة العمل على تحقيق التعايش الإنساني السلمي بين البشر من جميع الأطياف والديانات والثقافات.
وأعرب عن أمله بأن يكون "بيت العائلة الإبراهيمية" في أبوظبي منارة للتفاهم والتعايش يمكن لممثلي الأديان الثلاثة من خلاله العمل معا لغرس بذور الأخوة الإنسانية والتأكيد على أنه رغم اختلاف معتقداتنا إلا أن مصدر حياتنا ووجودنا هو خالق واحد.
كما أعرب عن أمله في أن يرى قريبا قبولاً مشتركاً لكل الثقافات والأديان والتعايش والتضامن بين شعوب العالم أجمع والاستفادة من التحديات المشتركة التي مرت وجعلها مرتكزاً للمضي قدما إلى المستقبل ..مؤكداً أن دولة الإمارات طرف مهم في هذا الأمل والطموح المنشود.
من جهته قال الدكتور إيلي عبادي: "إن التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية ليست مجرد مفاهيم بل هي مبادئ يلتزم بها الناس في دولة الإمارات ويعيشون بموجبها "..
مؤكدا أن دولة الإمارات هي نموذج لجميع الدول في هذه المنطقة وخارجها، وهي مثال يحتذى للوصول إلى مستقبل أكثر إشراقاً وسلاماً وازدهاراً ونحن محظوظون بأن نكون جزءاً منه.
وأضاف أن هذا سيمنح الأمل للأجيال الجديدة والمنطقة والبشرية جمعاء، في أن ينعم البشر بالسلام والوئام وقال إن شهر رمضان يأتي ليذكرنا بمسؤولياتنا كوننا بشرا ..
وإذ نسعى لتحسين أنفسنا طوال العام، فإن الكتب السماوية هي الدليل الذي يهدينا إلى حياة أكثر صفاءً وروحانية ..
يذكرنا رمضان بأن نركز اهتمامنا فعلياً على أنفسنا وعلى إخواننا من البشر وعلى خالقنا.
وأضاف: "دولة الإمارات أحدثت فرقاً في حياتي وفي حياة المجتمع اليهودي، وقد كان لي شرف العيش في هذا البلد الجميل المبارك كوني رئيس الجالية اليهودية، وقد شعرت بكل الترحيب والاحترام ..شعرت باحتضان الشعب الإماراتي لي".
وقال إن الديانات الإبراهيمية، اليهودية والإسلام والمسيحية، تتشارك في العديد من القيم منها الإنسانية والسلام وقدسية الحياة وقيم حسن الجوار ..وأهم قيمة على الإطلاق هي الإيمان بالله، خالق كل شيء والمهيمن عليه.
وقال إن الخالق غرس فينا البشر محبة بعضنا البعض والعمل مع بعضنا، لضمان استمرارية الجنس البشري على الأرض والعيش في سلام وطمأنينة وانسجام وتعايش ..
هذه هي المسؤولية التي أوكلها الله إلى آدم، وهي المسؤولية التي ينبغي لنسل آدم أن يحملها من خلال العمل معاً وفهم بعضنا البعض واحتضان بعضنا البعض من أجل خير البشرية.
وأكد أنه لا يمكن أن يكون لهذا العالم مستقبل أفضل إلا من خلال السلام والتسامح والتعايش، ومن واجبنا كوننا رجال دين ضمان تحقيق هذا النوع من الحياة بشكل صحيح.
وقال: "إنه رغم علمنا بوجود اختلافات بيننا، إلا أنه من خلال فهم بعضنا البعض وحبنا واحترامنا لبعضنا يمكننا جميعاً العيش معاً ..
وأنا متفائل جداً بالمستقبل لأنني أعتقد أن البشرية قد فتحت أعينها على واقع جديد، وهو أننا جميعاً ننتمي إلى هذه الأرض وعلينا احترام بعضنا البعض، وحقيقة أن هناك متسع كاف للجميع على هذه الأرض ..
وبمجرد أن نرى ذلك، فإننا ندرك أن الحياة أفضل بكثير وأنها أكثر إشراقاً وبهاءً، وستكون لها قيمة أكبر حين نضمن وجود هذا المستقبل".
وفي مداخله مع فضيلة الشيخ ابن بيه طرح سمو الشيخ عبدالله بن زايد سؤالاً حول أهمية الوعي ودوره في مواجهة الأفكار التي تستهدف غرس بذور التعصب والكراهية في المجتمعات.
وأوضح ابن بيه في إجابته أن الوعي هو فهم، ويقظة واعتقاد، وهذا سبيله الأول والأوحد هو التعليم لأن الجاهل لا يمكنه أن يكون له وعي، وإذا كان له وعي، فهو وعي ناقص فالتعليم ثم التعليم ..
مشيرا الى أن التعليم يجب أن يكون صحيحا، كاملا، غير مجتزأ، لأن التعليم الناقص هو جهل مركب ..فالجاهل هو الذي لا يدري أنه جاهل ويرى نفسه عالماً.
وأضاف أن الجهل المركب هو أسوأ أنواع الجهل لأن صاحبه يتصرف كأنه عالم وبالتالي يوقع نفسه والآخرين في أوضاع سيئة جدا وهو يظن أنها الحقيقة.
وقال إن الجهل المركب هو أن تجيب شخصاً وأنت لا تعرف الجزء الآخر من المقصد الشرعي فلابد من التعليم وهذا التعليم يتعلق بالتعمق في علوم الشريعة ومقاصدها وقواعدها ويتعلق أيضا بالمعرفة بالعلوم المساندة منها المنطق والفلسفة، ومعنى الفلسفة هنا السوال عن الحقيقة فإذا فهمناها هذا الفهم نقول إن الفلسفة تساعد على تقوية الفهم وعلى سعة الصدر فلابد من العلم ومعرفة الواقع العالمي لضرورة التعايش.
وفي حواره مع المطران بول هيندر ..قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: "نحن نعوّل على المفكرين الحكماء وعلماء الأديان ليرشدونا خلال الأوقات الصعبة..
وقد شهد العقد الماضي الكثير من الاهتمام فيما يتعلق بالحوار بين الأديان، ما مدى صلة وأهمية ذلك بجائحة كورونا الحالية؟".
وأعرب الدكتور المطران بول هيندر في بداية حديثه عن سعادته بمثل هذا اللقاء وتقديره لمناخ الانفتاح والتسامح الذي عايشه في دولة الإمارات.
وقال: "إن اللقاء أو الحوار بين الأديان ضروري من أجل إعادة بناء السلام والتنمية في العالم، وقد لمست هذا أثناء زيارة البابا فرنسيس إلى أبوظبي وزيارته مؤخراً إلى العراق، فقد أظهر لنا أن من المهم أن نلتقي دون خوف".
وأشار الى أن الوباء وضعنا جميعاً أمام تساؤل ربما لم نطرحه من قبل على أنفسنا ..
بالنسبة للجميع، مسيحيين ومسلمين ويهود، أياً كانت الديانة، وأياً كان ما يؤمن به الناس، فإننا نواجه مسألة المرض والموت أثناء هذا الوباء، علينا أن نتعلم أن نواجه الموقف معاً وأن نتغلب على ما يمكن التغلب عليه، علينا أن نتعلم مساعدة بعضنا البعض حيثما كان ذلك ممكناً، وأعتقد أننا اختبرنا هذا الأمر خلال حملة التطعيم في هذه الدولة..
وكان لدينا أيضاً مبادرات في مجمع كنيسة القديس يوسف لإظهار تحمل المسؤولية عن حياتنا وحياة الآخرين، وأعتقد أننا نفعل ذلك على أرضية مشتركة مفادها أننا جميعاً أخوة وأخوات نعيش في ظل خالق واحد ..
هذه هي تجربتي الرائعة هنا حيث أنني أعيش في هذا الدولة منذ 17 عاماً.
وأعرب عن التطلع إلى استمرار الثقة ببعضنا البعض والعمل معاً كلما كان ذلك ممكناً ومساعدة كل البشر الذين يعانون والذين يحتاجون إلى مساعدة من هم أقوى منهم.
وثمن دور دولة الإمارات وجهودها في الداخل والخارج ..مشيرا إلى ضرورة تجاوز هذه المحنة جميعاً وألا نلتفت إلى أنفسنا فحسب بل أن نفتح أعيننا على الواقع الذي يتجاوز أسوار منازلنا وثقافتنا وديننا وأن ننظر إلى ما وراء ذلك وأن نتعلم من بعضنا البعض.
في ختام مداخلته قال "لا يسعني إلا أن أصلي من أجل المضي قدماً على الرغم من كل المشاكل التي واجهناها وسنواجهها ..
لكن الله سيساعدنا على التغلب على لحظات الحزن وسيمنحنا الفرح رغم الواقع الذي نحن عليه".
وفي مداخله مع الحاخام عبادي، قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: "لا شك أننا نعيش زمناً صعباً ..
لكن من خلال خبرتك وتجاربك، كيف يمكننا تحويل هذه الصعوبة، التي لا تميز بين الأعراق والأديان، إلى شيء أقوى بكثير لخير الإنسانية؟".
وقال الحاخام عبادي في إجابته عن السوال: "في الواقع، سؤالك مهم جداً بالنسبة لنا كوننا أهل إيمان ..
كيف نرى هذا الوباء وما هي الدروس التي نتعلمها منه بعد مرور أكثر من عام عليه؟ ..
حقيقةً هذا الوباء هو عامل مساواة بين الناس لأنه لم يفرق بين رجل وامرأة أو بين عرق وآخر أو جنسية أو بلد أو شعب، لم يفرق بين الأديان، لقد ساوى بين البشرية جمعاء".
وأضاف: "أن هذا الفيروس صغير جداً بحيث لا تستطيع العين المجردة رؤيته، بل حتى المجهر العادي لا يمكنه رؤيته إلا إذا كان مجهراً قوياً للغاية ..
وكوني طبيباً فإنني أفهم ماهية هذا المخلوق الصغير الذي خلقه الله ومع ذلك يمكن أن يسبب مثل هذا الدمار للبشرية على حد سواء".
وقال: "إنه درسٌ وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتعلمه ..وهو أننا جميعاً أخوة في الإنسانية، ولا يوجد فرق بيننا جميعاً، وأننا حقاً أبناء إنسان واحد، وأننا جميعاً متساوون، بغض النظر عن اللون أو العقيدة أو الجنسية أو العرق ..البشرية جسم واحد، إذا تألم جزء منه تألم الجسم كله ..
الجسم كله يشعر بالألم ولا يستطيع أن يتجاهل الألم أو الأذى لجزء صغير منه، وهذه هي حالنا حقيقةً البشر، كلنا جسد واحد، وإذا كان أحدنا يتأذى، فنحن جميعاً نتأذى، حتى لو جرح فرد واحد، فإننا جميعاً نتألم ..
وخلال هذه الجائحة التي يعاني منها العالم والتي أودت بحياة الملايين وتسببت في معاناة الكثير من الناس، فإننا ندعو بالرحمة لجميع الذين ماتوا والذين تألموا، كما ندعو بالشفاء العاجل والشفاء التام للمصابين".
وأشار إلى أنه بمجرد أن نفهم أننا جميعاً جسد واحد، سنتعلم كيف نعيش مع بعضنا البعض، ليس فقط بالتسامح، ولكن بالتعايش والعيش في وئام وسلام، من خلال التعرّف على بعضنا البعض، من خلال قبول بعضنا البعض..
من خلال احتضان بعضنا البعض ومن خلال معرفة بعضنا البعض، ومن خلال القيام بكل ذلك، فإننا بالتأكيد سنحب بعضنا البعض كأفراد من نفس العائلة".
وقال في الختام: "آمل وأدعو الله أن نتجاوز هذه الجائحة وأن نحتضن بعضنا البعض كأخوة في الإنسانية، وعندما يرى الله القدير أن استطعنا قبول بعضنا البعض والعيش معاً في سلام وانسجام، فعندئذٍ سيرفع الله سبحانه وتعالى هذا الوباء عنا جميعاً ..وسيكون ذلك قريباً إن شاء الله".
بعدها وجه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان سؤاله إلى بييتر هيلير، مشيرا إلى معرفته به منذ ما يقرب من 30 عاماً، وما زال يبث لمن حوله الطاقة والفرح، لقد عرف بييتر هذا الدولة منذ 50 عاماً..
فعندما تفكر في دولة الإمارات خلال الخمسين سنة الماضية، وقد تمكنت من القراءة والتعرف على تاريخ هذه المنطقة، فهل ترى أن التعايش أصبح عنصراً أقوى لهذه الدولة؟.
وفي إجابته عن هذا السؤال قال بيتر: إن التعايش موجود منذ فترة طويلة منذ أيام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والذي أرسى دعائمه مبدأ أساسياً لدولة الإمارات العربية المتحدة ..لكن بالطبع، يمكننا أيضاً تتبع هذا التعايش بعيداً في التاريخ..
فلدينا ديانات مختلفة تتعايش في دولة الإمارات، ولطالما تعاملنا مع العالم الخارجي، وانخرطنا مع العالم الخارجي ..ولطالما جاء إلينا الناس من مختلف الديانات والثقافات إلى هذا البلد، وهذا التنوع والتعايش هو ميزة أساسية لهذا الدولة.
وقال إنه على مدار السنوات الماضية التي عشتها هنا، أصبح التعايش جزءاً أعمق في مجتمعنا، ونما مع نمو السكان، وازداد مع ازدياد عدد الجاليات الأجنبية التي جاءت للاستقرار في الدولة، والديانات والثقافات التي يحملونها معهم جعلت دولة الإمارات أكثر تنوعاً مما كانت عليه قبل 45 إلى 50 عاماً.
وأشار إلى أن المجتمع يتقبل هذا التنوع دائماً بشكل ربما يدعو إلى الدهشة، فأنا لا أتذكر في السنوات العديدة التي قضيتها هنا أي حوادث حقيقية للصراع بين جنسيات مختلفة وثقافات مختلفة وديانات مختلفة..
لقد أصبح التعايش جزءاً روتينياً من مجتمعنا، وأعتقد أنه كلما واصلنا العمل معاً والعيش معاً، لفهم بعضنا البعض والتعلم من بعضنا البعض، كلما أصبح التسامح والرغبة في التعايش والوئام أكثر عمقاً في المجتمع الذي نبنيه.
ونوه بأن الذين يعيشون في هذا البلد سواء كانوا إماراتيين أو غيرهم، هم في الواقع محظوظون للغاية لأنهم يعيشون في دولة الإمارات التي تشهد وئاماً مستمراً وسيظل كذلك في المستقبل.
وفي إجابته عن سؤال سموه بشأن أهم المواقف التي أثرت فيه خلال عمله في جامع الشيخ زايد ..
قال الدكتور يوسف العبيدلي إن المواقف والأحداث التي مر بها في جامع الشيخ زايد الكبير كثيرة ..وذكر عدة مواقف توضح كيف أن دولة الإمارات أصبحت فعلا واحة التعايش وكيف تميزت من خلال هذا الجامع الذي يرمز إلى ثقافتنا ويرمز إلى ديننا واستطاع أن ينشر رسائل التسامح والتعايش ..
موضحا أن جامع الشيخ زايد استقبل خلال عام 2019 سبعة ملايين منهم 85 % من خارج الدولة.
وأشار إلى أن جامع الشيخ زايد أسهم في ترسيخ مفهوم التسامح وأصبح منصة للتواصل بين مختلف البشر بغض النظر عن دياناتهم وثقافاتهم وجنسياتهم، فهذا الجامع وهذه الممارسات التي نعيشها على الواقع أرساها المؤسسون وعلى رأسهم الشيخ زايد، فالتعددية والانفتاح والتعايش هو مصدر القوة والازدهار ومصدر سعادة.
وفي مداخلة بشأن دور المرأة ..قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إن اليوم لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ويزدهر دون أن يعطي للمرأة حقا كاملا ويعطيها المجال المماثل في خدمة الأسرة الوطن والإنسانية فكيف ترين هذا الدور؟ ..
وقالت مريم زيدي في إجابتها عن السؤال: "إن هذا الشيء أعيشه في كل يوم في بلادي التي قامت بتجربة رائدة في تمكين المرأة في جميع المجالات ..
وذلك بدعم مباشر من "أم الإمارات" سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية ورعاية سموها حفظها الله وبارك في عمرها".
وأضافت: "عن تجربة شخصية كوني امرأة ..فقد فتح لي وطني كل مجالات الارتقاء والتعلم دون أي تمييز بيني وبين أخي الرجل وهذا المعنى الصحيح والعملي لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما النساء شقائق الرجال".
وأوضحت أن العلم الذي تتعلمه المرأة يرتقي بالمجتمع عامةً، لأنها بعلمها سترتقى بتربيتها لأبنائها وتنشئتها للأجيال ..وخلال مواجهة جائحة "كورونا" برز دور المرأة بوضوح، فهي طبيبة في خط الدفاع الأول وهي المعلمة والموظفة والمسؤولة ..فقد كانت ولا تزال تؤدي دورها بكفاءة واقتدار لحماية صحة أفراد المجتمع وسلامتهم لأداء رسالتها السامية في هذا الوطن ولله الحمد ..وبدعم القيادة الرشيدة ستظل المرأة دائماً القلب النابض في العطاء للمجتمع والملهمة ولا شك لأجيال المستقبل.
وتقدم سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان في نهاية المحاضرة بالشكر إلى جميع المشاركين في المحاضرة ..كما وجه الشكر إلى العاملين في الخطوط الأمامية الذين يواجهون الجائحة ويسعون إلى نشر الوعي وتعزيز الإجراءات الوقائية.