"مؤسسة دبي للمستقبل" و"دبي للثقافة" تستشرفان توجهات القطاع الثقافي والإبداعي في الإمارات والعالم
الدار -وام/
أكد تقرير أصدرته مؤسسة دبي للمستقبل بالتعاون مع هيئة الثقافة والفنون في دبي "دبي للثقافة" بعنوان "مستقبل القطاع الثقافي والإبداعي"، أن تطور هذا القطاع يعتمد على قدرته في توظيف التقنيات الحديثة بأساليب مبتكرة خلال الفترة المقبلة، لمواكبة توجه المثقفين والفنانين والمبدعين والمعارض الفنية والمؤسسات الثقافية بتبني مفهوم "التحول الرقمي" وإنتاج محتوى سمعي وبصري متاح عبر الإنترنت، ليستطيع الجمهور الوصول إليه بسهولة.
واستعرض التقرير أهم المبادرات التي أطلقتها حكومات العالم خلال الأشهر الماضية لدعم قطاع الثقافة والفنون وتعزيز قدرته على التأقلم مع "الواقع الجديد"، ومواجهة تحديات جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد–19" التي فرضت الكثير من القيود على تنظيم الأنشطة الاجتماعية والفعاليات الثقافية المختلفة.
وقالت هالة بدري مدير عام هيئة الثقافة والفنون في دبي ان تداعيات أزمة كوفيد-19 فرضت العديد من التحديات على قطاع الأعمال والقطاعات الاقتصادية بشكل عام، ولم يكن القطاع الثقافي والإبداعي بمعزل عن الآثار السلبية لهذه الأزمة. ويُعتبر القطاع الثقافي والإبداعي من القطاعات الاقتصادية الحيوية في العديد من الدول، ويشكل رافداً مهماً للاقتصاد الوطني، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية، يتحتم علينا وعلى جميع القائمين على القطاع تكثيف الجهود من أجل تطوير آليات وحلول لدعم المجتمع الإبداعي المحلي وتمكينه وضمان استمراريته وازدهاره في المستقبل، وخاصةً الشركات الصغيرة ورواد الأعمال المستقلين.
وأضافت بدري ان "دبي للثقافة" تعمل بالتعاون مع شركائها من الفاعلين على مستوى القطاع الثقافي والإبداعي لمرحلة ما بعد كوفيد-19، حيث تجري دراسات مستمرة على طبيعة التحديات التي تواجه هذا القطاع بهدف تطوير بنيته التحتية، واستكشاف سبل التعاون للمضي نحو آفاق أوسع من النمو وبلورة حلول مبتكرة تسهم في تعزيزه ليكون أقوى من ذي قبل، بما يسهم أيضاً في استقطاب المواهب للعمل والازدهار في دبي. وتعاوننا مع "مؤسسة دبي للمستقبل" في إصدار هذا التقرير يعتبر جزءاً من هذه الجهود.
وأشارت إلى أن القطاع الثقافي والإبداعي في دولة الإمارات أثبت مرونة عالية في التأقلم مع الظروف الجديدة عبر تسخير الفضاء الرقمي والتكنولوجيا للمحافظة على استمرارية المشهد الثقافي في ظل هذه الأزمة، وقالت: "مع الانتشار الواسع للمحتوى الثقافي والإبداعي على المنصات الرقمية، لا بدّ من وضع السياسات والتشريعات التي من شأنها حماية حقوق الفنانين والمبدعين وضمان أعلى معايير الملكية الفكرية، ما يشكل محوراً أساسياً من محاور استراتيجيتنا المحدّثة الرامية إلى تعزيز مكانة دبي كمركز عالمي للثقافة، وحاضنة للإبداع وملتقىً للمواهب، جهودنا في هذا الإطار مستمرة لبناء منظومة شاملة ومستدامة لتطوير الإمكانات والطاقات الإبداعية.
من جهته، قال خلفان جمعة بلهول الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل ان الأدوات والابتكارات التكنولوجية توفر فرصاً جديدة للقطاع الثقافي والإبداعي لدخول أسواق جديدة والوصول إلى شريحة أوسع من الجمهور حول العالم، عبر تطوير تجارب فنية وثقافية بأسلوب عصري ومبتكر يتيح للمهتمين فرصة تجربتها بسهولة وبعيداً عن قيود التنقل والسفر التي يشهدها العالم حالياً، كما تسهم هذه التطورات أيضاً بتشكيل قطاعات اقتصادية وفرص عمل جديدة في مجالات التكنولوجيا والإبداع.
وأكد أن دولة الإمارات طورت تجربة نموذجية عالمية في توظيف التكنولوجيا الحديثة في القطاعات الحيوية، وفي مواكبة المتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، مشيراً إلى أن التطورات العالمية الأخيرة التي أحدثتها جائحة كورونا فرضت تحولات جذرية في نظرة العالم لدور التكنولوجيا المستقبلية وأبرزت أهمية تسريع توظيف تطبيقاتها في كافة المجالات.
وتطرق التقرير إلى تأثير سياسات التباعد الاجتماعي التي فُرضت في مارس الماضي، وما تبعها من إغلاق المتاحف والمعارض وإلغاء الفعاليات الثقافية وتوقف السفر بين الدول، مشيراً إلى جانب إيجابي تمثل في قدرة القطاع الثقافي على التأقلم بسرعة وتبني أساليب مبتكرة لتجنب هذه التداعيات، ومنوهاً إلى أن من بين الأمثلة على ذلك تحويل متاحف ومعارض كثيرة مضمونها الثقافي ليكون أكثر فاعلية عبر الإنترنت، متيحة للناس تجربة مبتكرة على شكل جولات افتراضية.
وفي إمارة دبي، أطلقت "دبي للثقافة" جولات إرشادية افتراضية للطلاب عبر جميع متاحفها للحفاظ على تفاعل الجمهور مع تراث دبي الغني وتاريخها العريق، ودعمت هذه المبادرة مناهج التعليم الإلكتروني خلال فترة الحجر الصحي، واستقطبت أكثر من 11300 طالب من 94 مدرسة حكومية وخاصة من جميع أنحاء دولة الإمارات.
ونظمت الهيئة عدة ورش عمل وجلسات حوارية مع الأطراف الفاعلة في القطاع الإبداعي، تم بناء على مخرجاتها إطلاق سلسلة من المبادرات لدعم القطاع الثقافي والإبداعي. وتشمل هذه المبادرات شراكتها مع "لينكد إن" للتعليم الإلكتروني لتوفير دورات تعليمية إلكترونية مجانية في مجالات مختلفة للمبدعين؛ إضافةً إلى مبادرة "لنبدع معاً" المجتمعية الرامية إلى تشجيع المواهب لمواصلة إنتاجاتهم الإبداعية.
وتسهم هذه التوجهات في تعزيز مكانة دولة الإمارات الرائدة في قطاع الاقتصاد الإبداعي والاستثمار في تطوير المبادرات والمشاريع الثقافية والإبداعية مثل متحف اللوفر أبوظبي، وحي دبي للتصميم، وبينالي الشارقة، ومهرجان طيران الإمارات السنوي للآداب، ومركز آرت جميل للفنون، والسركال آفنيو، وأسبوع دبي للتصميم، ومعرض آرت دبي.
وقال التقرير إن حكومات العالم تحاول تخفيف الآثار الاقتصادية على القطاع الثقافي والفني، عبر تطبيق إجراءات قصيرة الأمد، وتقديم حوافز ومساعدات مالية مباشرة. ووجهت غالبية الدعم المالي الطارئ لرفد وحماية المؤسسات الثقافية العامة مثل المتاحف والمكتبات والمسارح، لكن هذا القطاع يعتمد بشكل كبير على الشركات الصغيرة والمتوسطة والأفراد، ويواجه كثير من تلك الشركات وأولئك العاملون حالياً خسائر كبيرة في الأجور، ستستمر إلى ما مرحلة ما بعد "كوفيد-19"، لمحدودية وصول كثير منهم إلى فرص الدعم والتمويل.
واستعرض التقرير مجموعة من المبادرات العالمية التي تم إطلاقها مؤخراً لدعم القطاع الثقافي والإبداعي، حيث أطلقت وزارة الثقافة والشباب في دولة الإمارات "البرنامج الوطني للإغاثة الإبداعية" الذي يقدم الدعم للمبدعين العاملين في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية، ويستهدف تقديم منح مالية للأفراد المستقلين والشركات الناشئة تصل الى 4.6 مليون درهم، وأنشأ مجلس الفنون في إنجلترا صندوق مساعدات طوارئ بقيمة 160 مليون جنيه إسترليني لدعم الفنانين والمنظمات الفنية، وخُصص ذوو الأعمال المستقلة بعشرين مليوناً منها. فيما طبّق مجلس هونغ كونغ لتنمية الفنون "خطة دعم لقطاع الثقافة والفنون"، ودعم الذين تأثرت أعمالهم وأنشطتهم من الفنانين والمنظمات الفنية الصغيرة والمتوسطة.
كما أطلقت الحكومة الأسترالية حزمة دعم بقيمة 250 مليون دولار أسترالي، وخصصت الحكومة المكسيكية 1.3 مليون دولار لدعم الفنانين والعاملين بالمهن الثقافية، وأنشأت وزارة الرياضة والفنون والثقافة في جنوب إفريقيا صندوق إعانة بقيمة 8.3 مليون دولار، لدعم الفنانين والرياضيين والفنيين، وخصصت السويد 45 مليون يورو لدعم الفنانين المستقلين والمنظمات في قطاع الثقافة، من خلال مؤسسات مثل مجلس الفنون السويدي ولجنة مِنح الفنون.
وأوصى تقرير " مستقبل القطاع الثقافي والإبداعي" بتعزيز مبادرات الدعم المالي الحكومي، وجذب المواهب وتشجيعها على البقاء، وزيادة التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز حماية المحتوى والمصالح الاقتصادية لضمان أعلى معايير الملكية الفكرية، ودعا صناع القرار لتطوير خطط بناء المواهب ورعايتها وتوفير منصات محلية وعالمية لتعزيز نجاحها.
وقال التقرير إن التحديات الرئيسية الحالية تكمن في أهمية وضرورة تسريع دعم المبادرات التي تخفف الآثار السلبية للجائحة على المدى القصير، وتساعد على إيجاد فرص جديدة على المدى المتوسط للجهات الخاصة والعامة وغير الربحية الفاعلة في الإنتاج الثقافي والفني، مؤكداً أهمية تطوير واتخاذ إجراءات شاملة لضمان استمرارية قطاع الثقافة والفنون.