"تمور الإمارات" ... إرث غني وخريطة معرفية تتوارثها الأجيال
الظفرة – وام /
تشهد دولة الإمارات تطوراً كبيراً في زراعة نخيل التمر، بفضل اهتمام القيادة الرشيدة وتوجيهاتها والتي انعكست من خلال المهرجانات المتخصصة التي تحتفي بمواسم الرطب والتمور على مدار العام، الأمرالذي يساهم في المحافظة على الموروثات الاجتماعية والثقافية لقيمة النخلة، و يعزز فرص تبادل الخبرات والمعرفة بموارد النخلة الهائلة بين المزارعين والمستثمرين وجيل الشباب. وتتيح المهرجانات المتخصصة بنخيل التمر فرص مواتية للشباب والمستثمرين والمزارعين لتبادل الخبرات والمعرفة بموارد النخيل الهائلة، مما يشكل دافعا لهم للاهتمام بالموارد المتكاملة للنخيل. واتجهت بعض المصانع في الإمارات منذ عقود لتصنيع منتجات ذات تصميمات حديثة ومبتكرة من الموارد الثانوية لأشجار النخيل ومنها الجريد والخوص فصنعت السلال و"الدواليب" و"المقاعد" وديكورات أسقف المنازل" وجميع هذه المنتجات صديقة للبيئة. وعلى الرغم من الأهمية الاقتصادية للنخلة بكل منتوجاتها إلا أن هناك شق تاريخي ومعنوي آخر خاص بدور النخلة في تعظيم التلاحم الأسري والمجتمعي ويظل هو العامل الأكبر في المحافظة المتوارثة بين الأجيال على مزارع النخيل في الإمارات. وتولي إمارة أبوظبي اهتماماً بالغا بإقامة مهرجانات متخصصة تتزامن مع مواسم حصاد الرطب و التمور التي يفصل بينهما أشهر قليلة، وذلك تأكيداً لقيمة النخلة وأهميتها في حياة أهل الإمارات قديماً وحديثاً ومن أجل بناء خريطة معرفية تتوارثها الأجيال جيل بعد الآخر. وتحتضن مدينة ليوا في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، مهرجانين متخصصين بنخيل التمر ومنتجاته وما يرتبط به من صناعات، ففي موسم الرطب يقام مهرجان ليوا للرطب، والذي عقدت دورته الثامنة عشرة في الفترة من 16 حتى 24 يوليو الماضي بتنظيم لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، كما أعلنت اللجنة مؤخراً عن إطلاق الدورة الأولى من مهرجان ومزاد ليوا للتمور وذلك خلال الفترة من 15 إلى 24 أكتوبر الجاري في مدينة ليوا المشهورة بواحات النخيل. وتأتي هذه المهرجانات كتأكيد جلي على أن النخلة ستظل محط الاهتمام الكبير الذي تستحقه سواء على صعيد الإرث والتاريخ الإماراتي أو على صعيد دورها في تحقيق الرفاه الاقتصادي لمزارعيها ودعم كافة المنتجات المحلية لمواصلة ضمان ريادة منظومة الأمن الغذائي في الدولة. وللنخلة حكاية في قلب كل إماراتي، فهي ذاكرة تحمل عطاء الأجداد وتسجل أسماءهم وقصصهم الكثيرة، حيث تشكل مزارع النخيل إرثاً ممتداً ينتقل من الجد إلى الأحفاد حاملاً معه الكثير من المشاعر للأبناء والكثير من الانتماء عدا عن الخير الذي تحمله النخلة للمزارع وهو الشق الاقتصادي. ويرتبط أهل الإمارات بحب متنامي للنخلة والتمر منذ الصغر وشغف كبير به وبأنواعه المختلفة مما يدفع المهتمين به لإقامة مواسم احتفالية باعتبارها فرصة متجددة لاستعراض تعلق الإماراتي بهذه الثمار طيبة المذاق رغم اختلاف العادات الغذائية وتعدد خيارات المستهلكين بحكم تطور الحياة العصرية. ولم تكن زراعة النخيل والعناية بها في دولة الإمارات حديثة العهد، أو أنها تعود إلى أوائل القرن العشرين فقط بل هي أقدم من ذلك بكثير، وهي لا تنفصل في سياق وجودها التاريخي عن تاريخ وجود النخل ونشأته في الجزيرة العربية أو أماكن انتشاره الأخرى، خاصة أن دولة الإمارات عامرة بمناطق تنتشر فيها زراعة النخيل بمساحات شاسعة وليس أدل على ذلك من منطقة الظفرة في إمارة أبوظبي. أما عن أصناف التمور المتوافرة في الدولة فتشير التقديرات إلى أنها تبلغ حوالي 120 صنفاً محلياً، هذه الأصناف إما نشأت محلياً بشكلٍ أساسي، أو أُدخِلَت من المناطق المجاورة، بينما أضحى سكان دولة الإمارات على تنوع ثقافتهم حتى من غير المختصين بالزراعة يعرفون الفروق بين مذاق تلك الأصناف الأكثر شهرة حيث لكل ذوقه وتفضيلاته لأصناف التمور. ويمثل التمر رمزاً للرخاء والفرحة التي تتزامن مع موسم الحصاد لكافة أفراد العائلة، لذلك فإن النخيل جزء من التكوين التراثي ، كما أنه من النباتات الداعمة للاستدامة البيئية، حيث ان التمر واحد من أفضل الأغذية للإنسان عدا عن قدرة النخيل على التكيف مع الإجهادات البيئية، ويعد من الأشجار النظيفة التي تعزز نظافة المكان وتعمل على تقليل الحرارة في المدن. كما تحتل التمور أولوية خاصة على خارطة التنمية الزراعية والاقتصادية، لما يمثله نخيل التمر في الدولة من أهمية اقتصادية متزايدة لتعزيز الأمن الغذائي من خلال تنمية واستغلال الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة. وبالأرقام، فإن دولة الإمارات وصلت إلى مستوى متقدم بإنتاج التمور والرطب وتصديرها إلى دول العالم، إذ بلغت صادرات التمور نحو 220 طناً، صدرتها إلى 84 دولة، بحسب أرقام التجارة الخارجية للعام الماضي، وذلك بفضل توجيهات القيادة الرشيدة ورؤيتها الحكيمة في تنمية القطاع الزراعي. وترتبط النخلة في التراث العربي بالكثير من الحرف التراثية والطقوس الاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي بالاستفادة من مواردها الأساسية في الصناعات التحويلية وتحويلها إلى منتجات منافسة في الأسواق المحلية والعالمية بطرق تفتح نوافذ الإبداع أمام الشباب للابتكار والاستثمار.