الإمارات والفضاء .. من الخيال الشعري إلى الحقيقة والإنجاز
الظفرة – وام/
بوصولها إلى المريخ، حقيقة لا مجازاً، أوفت الإمارات بوعد قطعته على نفسها قبل نصف قرن بأن تصبح عضواً في نادي الكبار في عالم الفضاء، فجاء نجاح مهمة "مسبار الأمل" الذي تحقق بالتزامن مع احتفالات الدولة بمرور خمسين عاماً على قيام الاتحاد، برهاناً حياً على ما يمكن للإرادة أن تفعله في وقت قياسي من عمر الأمم. الصعود إلى الفضاء الذي كان خيالاً عند الشعراء والعشاق، وارتحلوا عبره إلى القمر والكواكب والشمس وأعماق المجرات، حولته الإمارات، وهي تقود أحلام العرب، من خانة المستحيل إلى عالم الممكن والحقيقة، عبر رؤى استشرافية وعمل مؤسسي، وتخطيط بعيد المدى وصولاً إلى العام 2117، وهو التاريخ الذي حددته دولة الإمارات لبناء أول مستوطنة بشرية على سطح الكوكب الأحمر.
- عد تنازلي باللغة العربية. تواريخ مضيئة عدة سجلتها الدولة، تعزز طموحها المقبل بإنجاز مشروع "المريخ 2117"، ففي 20 يوليو 2020، انطلق مسبار الأمل ضمن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ من مركز تانيغاشيما للفضاء في اليابان، لتدخل الإمارات التاريخ بإنجاز فضائي غير مسبوق على المستوى العربي، ولأول مرة في تاريخ المهمات الفضائية في العالم يتردد العد التنازلي لإطلاق المسبار باللغة العربية، ما حمل دلالات عميقة على عودة العرب للإسهام بقوة في بناء مستقبل مشرق للإنسانية، وقد اكتمل النجاح في التاسع من فبراير 2021 بوصول المسبار إلى مداره حول كوكب المريخ بعد أن قطع 493 مليون كيلومتر، وهو النجاح الذي أشاد به العالم من أقصاه إلى أقصاه، وكان أفضل انطلاقة لتحقيق أهداف "مئوية الإمارات 2071." قبل الإنجاز الكبير لرحلة "مسبار الأمل" كانت الإمارات على موعد مع حدث استثنائي تمثل بانطلاق هزاع المنصوري، أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية في 25 سبتمبر 2019، على متن مركبة الفضاء الروسية "سويوز إم إس 15" وعاد بعد ثمانية أيام على متن المركبة الروسية "إم إس 12". - حلم زايد. قصة الإمارات مع الفضاء، هي قصة حلم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، الذي آمن بقدرات أبناء الإمارات والعرب على تحقيق المعجزات، وما زال في الذاكرة استقباله في العام 1974 لوفد وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) وذلك بعد مهمة المركبة "أبولو" التاريخية التي حملت الإنسان إلى سطح القمر، وشهد هذا اللقاء العديد من الرسائل المهمة التي عكست رؤية وطموح زايد، لتحقيق إنجازات نوعية في مجال الفضاء تليق بمكانة الإمارات والعرب.
- رؤى استشرافية إنجازات الإمارات في عالم الفضاء لا تتوقف، وقد اكتسبت قوة دفع كبيرة بفعل البرامج الطموحة والرؤى الاستشرافية للقيادة، وقد شهد شهر يوليو الماضي حدثاً بارزاً آخر، تمثل في إعلان مركز محمد بن راشد للفضاء اختيار رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي للمشاركة في أول مهمة طويلة الأمد على متن محطة الفضاء الدولية، ضمن بعثة وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) و"سبيس إكس "Crew-6"، التي ستنطلق في ربيع العام 2023، ليكون النيادي بذلك، أول رائد فضاء عربي في مهمة طويلة الأمد في محطة الفضاء الدولية. ويسطر هذا الاختيار تاريخاً مجيداً لدولتنا ومستقبلاً كبيراً حافلاً بالإنجازات في مجال العلوم الفضائية، وهو اختيار يؤكد نجاح استراتيجيات الدولة القائمة على الاستثمار في الإنسان الإماراتي القادر على قيادة كافة القطاعات وعلى رأسها قطاع الفضاء وهو ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ال نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” عندما قال : " الدولة ماضية في إرساء دعائم هذا القطاع الحيوي من خلال رفده بالكفاءات الوطنية المؤهلة ومواصلة إطلاق مزيد من المشروعات العلمية النوعية للإسهام في برامج استكشافات الفضاء ودعم الصناعات المرتبطة لما يخدم البشرية ويعود بالخير على حاضرها ومستقبلها". وهو الأمر نفسه الذي أكد عليه كذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" لدى لقائه النيادي، حيث شدد على ثقته في شباب الوطن وقدرتهم على السير بالوطن إلى طريق المجد، منوهاً سموه بأن الدولة تعطي الأولوية في الاستثمار والتنمية إلى العلم والتعليم وتأهيل الشباب الذين كما قال سموه " نعول عليهم في ترسيخ قواعد متينة ومستدامة يرتفع فوقها بناء العلم والمعرفة والتقدم الحضاري بكافة أشكاله وألوانه". ووصف سموه شباب الوطن المتسلحين بالعلم والمعرفة والإرادة بـ "أركان البنيان وهم للخيل فرسان وللتميز عنوان". ولا شك أن الاهتمام الإماراتي بالفضاء ليس من باب الترف أو السياحة والترفيه، بل هو لتنفيذ مهام علمية تخدم الإمارات وتزيد من تنافسيتها وتضعها في المراتب الأولى على كافة المؤشرات أولاً، وثانياً المساهمة في صنع غد أفضل للإنسانية ثانياً، وثالثاً استعادة الأمجاد العربية الغائبة في هذا القطاع، وهو ما ذكره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في تغريدة عبر حسابه على تويتر قال فيها : " مسيرتنا في مجال الفضاء لا تزال في بدايتها.. ورحلاتنا مستمرة.. ولدينا مشاريع علماء فضاء.. ورواد فضاء.. ومركبات فضاء.. ثلث نجوم السماء كانت تحمل أسماء عربية.. لأن العرب كانوا رواد علم الفلك.. مهمتنا استئناف حضارتنا العربية.. وإذا لم نتحرك اليوم فمتى؟".
- إنجازات نوعية. ما يميز التجربة الإماراتية في عالم الفضاء أنها لا تحدها حدود، فلا سقف هنا للطموحات التي تدعمها رؤية وطنية ثاقبة وإرادة قوية للنجاح وتخطيط مستدام يستشرف المستقبل، لذلك واصلت الإمارات إنجازاتها النوعية خلال الأشهر القليلة الماضية، لترسخ ريادتها العالمية، في قطاع صناعة الفضاء واستكشافه، الذي أصبح أولوية رئيسة في الخطط التنموية المستقبلية للدولة، حيث شهد شهر يوليو الماضي، إطلاق الإمارات البرنامج الوطني للأقمار الاصطناعية الرّادارية (سرب) لتطوير سرب من الأقمار الرّادارية، والذي يعد أحد البرنامج النوعية والأولى عربياً في القطاع الفضائي. وسيسهم البرنامج في رصد المتغيرات التي تطرأ على كوكب الأرض بسبب التغيرات المناخية والعمل على إيجاد حلول مبتكرة للاستدامة البيئية والموارد على سطح الأرض. ويعزز البرنامج جهود الإمارات لإيجاد حلول للتحديات المرتبطة بالتغير المناخي واستدامة البيئة والمساهمة في التطوير العمراني، والعمل على تكامل الجهود ودعم مواجهة الكوارث وتحديات الأمن الغذائي وغيرها، وذلك بالاعتماد على الكوادر المواطنة المؤهلة والشركات الإماراتية، علاوة على تشجيع الشراكات مع المؤسسات العالمية وتقديم الحوافز لها والذي يعد امتداداً لمشروع مناطق الفضاء الاقتصادية الرامي إلى ترسيخ مكانة الإمارات كمركز عالمي للمواهب والاستثمار والابتكار. وأعلنت الإمارات بالتزامن مع إطلاق البرنامج، عن تأسيس صندوق استراتيجي متخصص لدعم قطاع الفضاء في الدولة، يعمل على توفير الموارد المالية وحوكمة إدارتها وبما يتواءم مع توجه الدولة نحو إيجاد حلول بديلة ومبتكرة لتمويل المشاريع وتنمية القطاع. وتبلغ قيمة الصندوق، الذي سيكون تحت مظلة "وكالة الإمارات للفضاء" ثلاثة مليارات درهم، وسيسهم في تعزيز الاستثمارات من المهتمين من رواد الأعمال والشركات الخاصة، والعمل على تمويل وتسهيل تطوير الأنشطة والمشاريع الفضائية المستقبلية. ويستهدف صندوق الفضاء استدامة تطوير القدرات في القطاع الفضائي وتأهيل كوادر إماراتية لقيادة القطاع ذي الأولوية الوطنية، وزيادة مساهمة قطاع الفضاء الإماراتي في تنويع الاقتصاد الوطني وتشجيع القطاع الخاص واستقطاب الشركات المتخصصة عالمياً لتطوير مشاريعها وأنشطتها في دولة الإمارات.