العالم .. بين متطلبات التنمية وخفض الانبعاثات والآمال على "COP28"
يقف العالم اليوم أمام تحد مُلح بين تأمين إمدادات الطاقة لتحقيق التنمية المستدامة وخفض الانبعاثات الكربونية للحد من تداعيات التغير المناخي والحفاظ على الكوكب، بالتزامن مع رهانات التوافق لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28" الذي تستضيفه الإمارات نهاية العام الجاري لتعزيز الجهود العالمية في مواجهة التحديات المناخية وتحقيق استدامة الطاقة.
وعند الحديث عن إمدادات الطاقة العالمية والحياد المناخي يتبادر إلى الأذهان مجموعة من التساؤلات المشروعة يتصدرها دور منتجي النفط والغاز في الانتقال إلى الحياد المناخي، وكيفية اعتماد سياسات داعمة للنمو وللعمل المناخي بشكل متزامن؟ إذ تشكل تلبية احتياجات العالم المتزايدة من الطاقة أعقد التحديات التي تواجه البشرية على الإطلاق مع تجاوز تعداد سكان العالم 8.5 مليار نسمة خلال السنوات السبع المقبلة والوصول إلى 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050.
وفرض تصاعُد التوترات الجيوسياسية وحالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي، أزمة عالمية في قطاع الطاقة وعودة العديد من الدول إلى استخدام مصادر الطاقة التقليدية لتأمين الإمدادات، كما دفعت أيضا الجهود الدولية إلى تسريع التحول في قطاع الطاقة والعمل على إطلاق نموذج جديد لطاقة المستقبل قائم على مزيج متنوع من مصادر الطاقة يشمل "طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة النووية والهيدروجين إضافة إلى النفط والغاز".
ويضع العالم طموحات وآمال على مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" COP28"، الذي سيشهد أول حصيلة عالمية لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ أهداف اتفاق باريس في ظل حاجة العالم المُلحّة إلى تحقيق تقدم جذري عبر موضوعات التخفيف والتكيف والتمويل المناخي والخسائر والأضرار.
ووفقاً لتقرير المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لشركة بريتش بيتروليوم، يسهم القطاع الأحفوري بـ 84 % من الطاقة العالمية ويوفر الطاقة في جميع أنحاء العالم، وارتفعت الانبعاثات العالمية من القطاع بنسبة 0.9% خلال عام 2022 إلى 36.8 مليار طن وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
ويساهم إنتاج الطاقة الكهربائية بنحو 30 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية وبشكل أساسي من حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، وذلك بحسب تقرير شركة ماكينزي المتخصصة بالدراسات والأبحاث واستطلاعات الرأي الصادر في مارس 2023.
-أوبك والمناخ.
وقال معالي هيثم الغيص أمين عام منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات "وام": "إنه على مدى العقود الماضية وبشكل استباقي شاركت "أوبك" في مفاوضات المناخ وأصبحت جميع الدول الأعضاء في "أوبك" من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، كما صادقت معظمها على اتفاقية باريس".
وتابع : " إن حجم الاستثمارات في قطاع الطاقة العالمي خلال عام 2022 وصلت إلى ما بين 2 إلى 2.5 تريليون دولار، وأكثر من تريليون دولار منها مرتبط باستثمارات في تقنيات تزيد من كفاءة استخدام الطاقة وتوسيع قدرة الكهرباء المتجددة والبنية التحتية المتعلقة بها والنقل الكهربائي، إضافة إلى استثمارات أقل بكثير في تطوير تقنيات جديدة لإنتاج الهيدروجين والوقود البديل لقطاع الطيران ومشاريع احتجاز الكربون وتخزينه".
وأضاف : “ سيظل النفط أساسيا في مزيج الطاقة العالمي بنحو 29% من إجمالي الطلب على الطاقة، فمن أجل مواكبة هذه الزيادة الكبيرة على الطلب ستكون هناك حاجة إلى استثمارات تفوق 12 تريليون دولار في قطاع النفط و10 تريليونات دولار في قطاع الغاز الطبيعي بحلول عام 2045”.
-استثمارات 2023.
أفاد تقرير حديث لوكالة الطاقة الدولية أن العام الحالي 2023 يشهد استثمار حوالي 2.8 تريليون دولار في الطاقة مع تخصيص أكثر من 1.7 تريليون دولار للطاقة النظيفة بما في ذلك الطاقة النووية والمتجددة حيث يزداد الاستثمار النووي بشكل رئيسي في الاقتصادات المتقدمة والصين وفقًا للتقرير، حيث بدأ عدد متزايد من البلدان يلقي نظرة جديدة على كيف يمكن للتقنيات النووية السلمية أن توفر انبعاثات منخفضة وطاقة قابلة للانتشار.
وأشار التقرير إلى أنه مقابل كل دولار يُستثمر في الوقود الأحفوري يذهب 1.7 دولار الآن إلى الطاقة النظيفة، وقبل خمس سنوات كانت هذه النسبة واحد إلى واحد، لافتاً إلى أن الطاقة النووية تساهم بنحو 10 % من إنتاج الكهرباء في العالم وكمصدر طاقة ثابت ومرن وقابل للانتشار يمكن توليد الطاقة النووية في أي وقت، كما يمكن للطاقة النووية أيضاً أن تقوم بدور تكاملي مع مصادر الطاقة المتجددة والمتقطعة لضمان أن إجمالي إمدادات الطاقة يلبي الطلب المتوقع.
وأفادت الإحصاءات، أن نصف قطاع النفط والغاز فقط أعلن الالتزام بهدف تحقيق الحياد المناخي لانبعاثات النطاقين الأول والثاني بحلول عام 2050.
-أعظم فرصة.
من جانبه، قال معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف COP28 خلال جلسة "المسار نحو مؤتمر الأطراف" ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات في دبي: " إن الاستثمارات النظيفة تقود بالفعل النمو المستدام"، مضيفاً : " إننا بحاجة إلى زيادة الاستثمار في كافة مجالات خفض الانبعاثات والنظر إلى هذه الاستثمارات بوصفها فرصة وليست عبئاً. وتشير تقديرات خبراء الاقتصاد إلى أن خفض الانبعاثات من قطاع الصناعة، وقطاع الطاقة، وتوليد الكهرباء وأنظمة النقل والغذاء يمكن أن تخلق قيمة اقتصادية إضافية تبلغ 12 تريليون دولار بحلول عام 2030. وإن رئاسة مؤتمر الأطراف COP28 تنظر للتصدي لتحدي تغير المناخ بوصفه أعظم فرصة للنمو الشامل والازدهار منذ الثورة الصناعية الأولى".
-التحول الطاقي.
من جهته، قال فرانشيسكو لا كاميرا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" لـ"وام": إن تحول الطاقة القائم على مصادر الطاقة المتجددة يعد ركيزة أساسية في دعم هذه الاستراتيجية".
وأضاف:" أنه وفقاً لأحدث تقارير "آيرينا" حول التمويل في القطاع تعود 85% من الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة بالفائدة على 50% فقط من سكان العالم، ليبقى النصف الآخر من البلدان التي لديها احتياجات ضخمة من الطاقة المتجددة خارج المعادلة ،والتي تسعى جاهدة لتحقيق واقع ومعيشة أفضل لشعوبها ،لذلك يجب تغيير هذا الواقع".
- مفاعلات الطاقة السلمية.
تشهد الطاقة النووية السلمية حالياً نهضة جديدة لأسباب عدة في مقدمتها أزمة الطاقة التي شهدتها أوروبا ومناطق أخرى من العالم جراء الأوضاع الجيوسياسية الراهنة، إلى جانب تفاقم تبعات ظاهرة التغير المناخي وبالتالي اللجوء إلى الطاقة النووية لتأمين إمدادات الطاقة والاستدامة معاً.
-رصد "وام".
وأظهر رصد لوكالة أنباء الإمارات "وام" حول انتشار محطات الطاقة النووية حول العالم .. أن الصين تمتلك 17 مفاعلاً جديداً، وفرنسا 14 مفاعلاً جديداً، والهند 8 مفاعلات جديدة ، وبولندا 6 مفاعلات جديدة وبريطانيا 4 مفاعلات جديدة، وكوريا الجنوبية 4 مفاعلات جديدة، و مصر 4 مفاعلات للمرة الأولى، وتركيا 4 مفاعلات للمرة الأولى، و كازخستان مفاعلين جديدين ،وبنغلادش مفاعلين جديدين ، و هولندا مفاعلين جديدين و إيران مفاعلين جديدين، وجمهورية التشيك مفاعلين جديدين ، و السويد مفاعلا جديدا ، و الأرجنتين مفاعلا جديدا .. فيما تخطط السعودية لإنشاء 16 مفاعلا.
ويوجد حول العالم 440 مفاعلًا نوويًا سلميًا في 185 محطة إضافة إلى 50 مفاعلًا آخر قيد الإنشاء، وتوفر محطات الطاقة النووية كهرباء صديقة للبيئة على مدار الساعة دون انقطاع، وتوفر 11٪ من احتياجات الكهرباء في العالم بدون انبعاثات كربونية، في حين يقول مجلس الطاقة العالمي: “ إن 8 من أصل 10 دول الأكثر استدامة في العالم تستخدم الطاقة النووية”.
- مزيج الطاقة.
قال سعادة محمد إبراهيم الحمادي العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات "وام":" تمكنت دولة الإمارات خلال العقدين الماضيين من تنويع مزيج الطاقة لديها فاستثمرت في الطاقة النووية السِلمية، كما تستثمر حالياً في الهيدروجين وتعمل على توسيع حصتها العالمية من الطاقة المتجددة إلى 100 غيغاواط على الأقل بحلول عام 2030 ".
وأضاف أن دولة الإمارات تمتلك سجلاً حافلاً بالإنجاز في مجال مصادر الطاقة الصديقة للبيئة، يشمل استثمارات كبرى في الطاقة الشمسية، وتطوير محطات براكة للطاقة النووية، التي تعد أكبر مصدر للكهرباء الصديقة للبيئة والشهادات الخضراء في دولة الإمارات والعالم العربي.
-شراكات دولية.
ويؤكد تقرير الاستدامة السنوي 2022 الصادر عن شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" التزام دولة الإمارات الراسخ بالعمل المناخي، إذ تعد الإمارات الدولة المضيفة لـ"COP28" لاعبا دوليا رائدا في مجال الطاقة المستدامة لترسخ مكانتها كأحد أكبر المستثمرين في مجال الطاقة المتجددة على مستوى العالم، ومساهماً رئيساً في جهود الانتقال العملي والواقعي في قطاع الطاقة.
وتنشط "مصدر" في أكثر من 40 دولة حول العالم، وتستثمر في مشاريع عالمية تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من 30 مليار دولار لتساهم بشكل فاعل في تحقيق أهداف هذه الدول في قطاع الطاقة النظيفة وتعزيز التنمية المستدامة.
وتبقى كل المسارات محتملة في التعامل مع متطلبات التنمية وخفض الانبعاثات الكربونية، ومن بينها ما قد يحققه الاتفاق العالمي للحد من التغير المناخي بجانب ظهور الكثير من المبادرات والاتفاقيات المعززة لهذا التوجه، في وقت تتسارع فيه معدلات الكوارث الطبيعية الناجمة عن التغير المناخي وفق ما أظهرته النتائج العلمية حتى الآن ، ويلازم ذلك تصاعد التوترات الجيوسياسية حول العالم، واستمرار حالة عدم اليقين وتزايد المخاوف من الأزمات الاقتصادية العالمية، ما انعكس سلباً على التنمية الاقتصادية.