الزراعة الذكية مناخياً في الإمارات.. حلول مبتكرة لتحقيق الأمن الغذائي وحماية البيئة
الظفرة - وام/
قطعت دولة الإمارات شوطاً كبيراً في تطوير ممارسات زراعية ذكية مناخياً، في إطار سعيها لتحقيق هدفها الاستراتيجي بالوصول إلى الحياد المناخي بحلول العام 2050 ومستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي بحلول 2051، والحد من الانبعاثات الكربونية في القطاع الزراعي.
وتُعرف الزراعة الذكية مناخياً بأنها الزراعة المقاومة للمناخ، وهي نهجٌ متكامل لإدارة الأراضي الزراعية وتهيئة النظم الزراعية للاستجابة بفعالية للتغيرات المناخية، بما يضمن تحقيق الأهداف الثلاثة المتمثلة في زيادة الإنتاجية والعائد الاقتصادي من الزراعة بصورة مستدامة والتكيف مع تغير المناخ والحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وحققت دولة الإمارات إنجازات مهمة في هذا السياق عبر تبني مشاريع التكنولوجيا الزراعية المبتكرة مثل (البيت الشبكي Net house بالطاقة الشمسية)، وسخرت لذلك الجهود البحثية والموارد المالية، ما يجعل من تجربتها في هذا القطاع نموذجاً عالمياً ملهماً، لا سيما وأنها تستضيف مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP 28" خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في "مدينة إكسبو دبي"، الأمر الذي يجعل من هذه المنصة العالمية فرصة مثالية لعرض التجارب الملهمة، وإحداث نقلة نوعية في الزراعة الذكية مناخياً لتحقيق أمن غذائي مستدام.
ويستعرض محور "الأثر" ضمن حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر "COP 28"، التأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة في دولة الإمارات على مختلف المجالات، حيث تهدف الحملة إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية.
- حلول مبتكرة .
وتطور قطاع الزراعة في دولة الإمارات بشكل ملموس منذ عام 1971، وبذلت الدولة جهوداً كبيرة طوال الأعوام الماضية لبناء قطاع زراعي أكثر قدرة على المساهمة في منظومة الأمن الغذائي، عبر تبني أنماط زراعية مستدامة وذكية مناخياً تستند في مجملها إلى التقنيات والحلول المبتكرة كالزراعة المحمية، والزراعة بدون تربة (الزراعة المائية)، والزراعة العضوية، والعمودية، والزراعة باستخدام البيت الشبكي Net house، وتوفير حلول مستدامة، وذلك بإعادة استخدام المياه المعاد تدويرها في القطاع الزراعي إضافة إلى الاهتمام بالدراسات والبحوث العلمية في المجال الزراعي، وذلك للتغلب على التحديات التي تواجه هذا القطاع مثل ندرة موارد المياه، والأراضي غير الصالحة للزراعة، وملوحة التربة، والظروف البيئية الصعبة (ارتفاع درجات الحرارة – الجفاف).
وواصلت دولة الإمارات الاهتمام بالقطاع الزراعي من خلال استخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة التي تتيح زيادة كبيرة في الإنتاج الزراعي بمعدلات استهلاك قليلة للمياه والموارد الطبيعية، وأطلقت العديد من المبادرات في هذا السياق؛ ومنها افتتاح مركز الابتكار الزراعي في عام 2014 بهدف مواكبة مستجدات القطاع الزراعي واستدامته في الدولة من خلال ابتكار تقنيات زراعية حديثة وإجراء الأبحاث وتقديم الاستشارات في المجال الزراعي.
- إنتاج غذاء مستدام.
وأطلقت دولة الإمارات في العام 2018 الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، بهدف تطوير منظومة وطنية شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، من خلال توظيف التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، وتعزيز الإنتاج المحلّي، وتنمية الشراكات الدولية لتنويع مصادر الغذاء، وتفعيل التشريعات والسياسات التي تسهم في تحسين التغذية والحدّ من الهدر، لضمان الأمن الغذائي في كافة الظروف، ما يعزز مكانة الإمارات في مؤشرات الأمن الغذائي العالمي، وتحويلها إلى مركز للأمن الغذائي القائم على الابتكار.
ويعد برنامج تسريع تبني التكنولوجيا الزراعية الحديثة من أهم المبادرات في دولة الإمارات لتحقيق الأمن الغذائي، حيث أطلق البرنامج 10 مبادرات استراتيجية لتسهيل تبني التكنولوجيا الزراعية في الدولة، وإيجاد حلول فاعلة لرفع كفاءة وزيادة تنافسية الإنتاج الوطني من الأغذية، وتوفير قنوات الدعم للمعنيين في هذا القطاع، واستقطاب الاستثمارات اللازمة لإنشاء مشاريع زراعية مستدامة.
كما أطلقت دولة الإمارات في عام 2019 "تحدي تكنولوجيا الغذاء" الأكبر من نوعه عالمياً، بهدف استكشاف تكنولوجيا العقد القادم من الابتكارات والتقنيات التي ستغيّر ممارسات الزراعة التقليدية بكفاءة واستدامة، إلى جانب تطوير حلول مبتكرة لإنتاج وإدارة الغذاء في الإمارات، وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة في إيجاد أدوات وتقنيات تتميز بالكفاءة والفعالية للتغلب على تحديات القطاع الزراعي، بما يحقق استدامة الإنتاج الغذائي في دولة الإمارات لتكون مركزاً عالمياً رائداً للأمن الغذائي.
وبهدف دعم تبني الإنتاج المحلي للتكنولوجيا الحديثة؛ اعتمد مجلس الوزراء في عام 2020 تشكيل فريق عمل لتنمية قطاع الزراعة الحديثة في الدولة، حيث يتولى الفريق تطوير ممكنات الارتقاء بالقدرة على توفير المنتجات الغذائية لتلبية احتياجات السوق، والمساهمة في رفع القدرة على مواجهة التغيرات العالمية في قطاع الأغذية، إلى جانب التركيز على خلق الفرص التجارية، ورفع تنافسية المنتج المحلي.
كما اعتمد مجلس الوزراء في 2020 النظام الوطني للزراعة المستدامة، الذي يهدف إلى رفع نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة من المحاصيل الزراعية، وتحسين المردود الاقتصادي للقطاع، وزيادة الاستثمارات فيه وتوظيف التكنولوجيا لرفع الإنتاجية الغذائية للقطاع.
ونجحت دولة الإمارات من منطلق دورها الإقليمي والدولي في إطلاق مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ، على هامش مؤتمر "COP 26" في عام 2021، وهي مبادرة عالمية كبرى تقودها دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية، بهدف تسريع العمل على تطوير أنظمة غذائية وزراعية ذكية مناخياً، إلى جانب حشد الدعم والاستثمارات للزراعة الذكية مناخياً والابتكار في النظم الغذائية، لزيادة استدامة الأنظمة الغذائية.
- تبني نظم الزراعة الحديثة.
يعد تطوير القطاع الزراعي وتحفيز تبني نظم الزراعة الحديثة وتوسيع قاعدتها إحدى الركائز الرئيسية للجهود التي تبذلها وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين والجهات المعنية على مستوى الدولة، لضمان تعزيز الأمن الغذائي.
ووضعت الوزارة العديد من الخطط لتعزيز استخدام التقنيات الحديثة في الإنتاج الزراعي بما يتواءم مع الظروف المناخية في الدولة، والتي تتطلب تبني نظم الزراعة المستدامة، والزراعة العضوية والعمودية والمحمية.
وتعمل الوزارة على تبني التقنيات ذات الكفاءة العالية في استخدام مياه الري خصوصاً تقنيات الزراعة المحمية والمائية (بدون تربة)، وإدخالها ضمن المنظومة الزراعية في الدولة كأسلوب للزراعة، حيث تهدف الزراعة المحمية إلى زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية الصديقة للبيئة والمتكيفة مع المناخ من خلال توفير المياه بنسبة تصل الى 70% وتقليل انبعاث الغازات خاصة غاز ثاني أكسيد الكربون.
وقد تبنت الوزارة تقنية الزراعة المائية ونقلها إلى المزارعين في الدولة وتشجيعهم على تبنيها منذ عام 2009، كما تبنت في عام 2023 تقنية الزراعة باستخدام البيت الشبكي Net house باستخدام الطاقة الشمسية، بهدف تقليل تكلفة الطاقة الكهربائية والمياه، وذلك من خلال تقديم الدعم المادي لإنشاء الأنظمة للزراعة المائية والـNet house ومستلزمات الإنتاج بنصف القيمة.
كما نفذت الوزارة "مشروع الزراعة باستخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي"، لتوظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير منظومة الزراعة الحديثة بالاستعانة بشباب من منتسبي الخدمة الوطنية، وهو مشروع يأتي ضمن استراتيجية الوزارة لتعزيز أمن واستدامة الغذاء وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في تعزيز قدرات الإنتاج الزراعي المحلي بما يتماشى مع جهود العمل من أجل المناخ.
- تطوير المزارع العمودية والاهتمام بالزراعة الملحية
تشهد دولة الإمارات توجهاً متزايداً نحو تطوير المزارع العمودية باعتبارها حلاً واعداً يسهم في تحقيق الأمن الغذائي، حيث تستخدم هذه المزارع تقنيات متطورة تمكنها من توفير منتجات زراعية طازجة على مدار العام.
وتم تدشين أكبر مزرعة في العالم للزراعة العمودية الداخلية في أبوظبي في فبراير الماضي، حيث تسهم المزرعة في تطوير الزراعة البيئية المستدامة الخاضعة للرقابة، والزراعة العمودية الداخلية للمساعدة في مواجهة تحديات سلاسل توريد المنتجات الزراعية على مستوى العالم.
وتستهدف المزرعة إجراء الأبحاث العلمية والتطوير في قطاع الزراعة وتطوير الجيل التالي من تقنيات وحلول الزراعة المستدامة في البيئات القاحلة والصحراوية.
كما تعد مزرعة "بستانك" في دبي، التي أنشأتها "الإمارات لتموين الطائرات" التابعة لمجموعة الإمارات، أكبر مزرعة رأسية تعتمد على الزراعة المائية في العالم، وتستخدم المزرعة تقنيات متطورة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المتقدمة، وتعتمد على دورة إنتاج مستمرة تضمن إنتاجاً فائق النضارة والنظافة، ومن دون استخدام أي مبيدات أو مواد كيماوية، في حين تم تزويد المزرعة بنظام الدائرة المغلقة للري، حيث يعاد تدوير المياه مما يسهم في توفير 250 مليون لتر من الماء سنويا، بالمقارنة مع الزراعة الخارجية التقليدية التي تنتج نفس كمية المحصول.
وتولي دولة الامارات اهتماماً متزايداً بالزراعة الملحية، حيث تعد نهجاً مبتكراً يتجاوز آثار التغيرات المناخية القاسية، ووسيلة ناجعة لمواجهة شح الموارد المائية والجفاف إضافة إلى فوائدها المتمثلة في زراعة المحاصيل على مدار العام ، والحد من ارتفاع نسبة التملح المتصاعد للتربة الذي يؤدي تدريجياً إلى تقلص حجم الأراضي الزراعية، كذلك إدخال أنواع وأصناف من المحاصيل تتحمل الظروف البيئية القاسية، وفي هذا الإطار ينفذ المركز الدولي للزراعة الملحية "إكبا " برامج بحثية وتنموية تهدف إلى تعزيز الإنتاجية الزراعية واستدامتها في البيئات المالحة والهامشية.
- حزم تحفيزية واعدة.
تبنت إمارة أبوظبي نظماً مبتكرة في مجال الزراعة، حيث تم اعتماد مجموعة من الحزم التحفيزية لاستقطاب الشركات المتخصصة في مجال التكنولوجيا الزراعية المحلية والعالمية إلى أبوظبي، إضافة إلى دفع جهود تطوير منظومة التكنولوجيا الزراعية في الإمارة، وترسيخ مكانتها مركزاً عالمياً للابتكار في مجال الزراعة في البيئات الصحراوية.
وتعد التكنولوجيا الزراعية من أهم القطاعات التي يركز عليها مكتب أبوظبي للاستثمار ، كونها تتمتع بمقومات نمو عالية، حيث يقدم برنامج الابتكار التابع للمكتب والبالغة قيمته 2 مليار درهم، الدعم لمجموعة واسعة من شركات التكنولوجيا الزراعية المبتكرة، بما في ذلك شركات مثل "آيروفارمز"، و"بيور هارفست للمزارع الذكية"، وذلك بهدف استكشاف مجموعة كاملة من الابتكارات الزراعية بدايةً من الزراعة العمودية الداخلية وصولاً إلى تعزيز كفاءة استخدام المياه.
كما تنفذ هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية مشروع إعداد خطة تنمية زراعية مستدامة في إمارة أبوظبي ستنتج عنه خطة تنموية شاملة للسنوات العشر المقبلة، تشمل التدخلات اللازمة ذات الأولوية لتحويل قطاع الزراعة في الإمارة إلى قطاع أكثر استدامة من النواحي الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.
ويشمل المشروع تطوير أدوات دعم القرار التي تتكون من منصة ابتكارية وخرائط تفاعلية تعتمد على نظم المعلومات الجغرافية وتحليلات ونماذج رياضية لتخطيط المناطق الزراعية وتقسيمها بناء على خصائصها البيئية والزراعية والاجتماعية، ويعتمد على عدد من دراسات النمذجة الاقتصادية التحليلية المعمقة والدراسات التكميلية، وذلك بهدف رفع كفاءة الإنتاج الزراعي المستدام في الإمارة.
وتعتمد خطة التنمية الزراعية المستدامة في إمارة أبوظبي مبدأ التخطيط المناطقي لمزارع الإمارة، بحيث يتم تحديد المناطق المتشابهة من حيث مقومات التنمية والموارد ووضع إجراءات تطويرية لها بهدف صياغة خطة شاملة تتضمن تبني نهج الزراعة الذكية مناخياً بما يضمن تعزيز التنمية المستدامة في أبوظبي.
يذكر أن تقرير حالة الأغذية والزراعة لعام 2022 الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، أظهر أن الأتمتة الزراعية تسهم في زيادة الإنتاجية وتحسين نوعية المنتجات وكفاءة استخدام الموارد، إضافة إلى الحد من نقص الأيدي العاملة، وتعزيز الاستدامة البيئية، وتيسير التكيُّف مع تغيُّر المناخ والتخفيف من آثاره، كما أنها تُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.