من أقدر من المرأة على جعل الاستدامة أسلوب حياة؟!
تتزايد حملات التوعية، ويعمل صناع القرار في كل مكان على ترسيخ مفهوم الاستدامة، وإدخاله كشريك رئيسي في عمليات المسؤولية المجتمعية، كما لا تتوانى كل الجهات المعنية بالحث على تبني الاستدامة، وتعكف الشركات بدورها إلى استعراض مبادراتها وابتكاراتها في المجال، ما يعود عليها بزبائن أكثر وسمعة أحسن. وتظل الاستدامة محصورة فيما بين الجهات التي تنادي بها والأطراف المتجاوبة من شركات ومصانع وكل من يرتدي الثوب المؤسساتي والتجاري. لكن قد نكون أغفلنا حلقة وصل مهمة جدا، لا بل تعتبر أساسية في دورة عملية الإستدامة، إذ لا نكاد نذكر المرأة كجزء مهم يجب الاهتمام به إذا ما وجدت رغبة لترسيخ فكر الاستدامة في المجتمع.
فلا يمكن إغفال دور المرأة بصفتها نصف المجتمع وتربي النصف الآخر، حيث يجب أن تكون أول من يتشبع بمفهوم الاستدامة ومعانيها وكيفية تطبيقها. فبصفتها القائم على شؤون الأسرة، تعتبر المرأة الأكثر تأهيلا في جعل الاستدامة أسلوب حياة، وفي العمل على إدخالها ضمن نمط الحياة اليومي، كما تعد الأكثر تأثيرا في سلوكيات الأطفال والمحيط الأسري عامة، خاصة وأنها أول مدرسة تتخرج منها الأجيال القادمة التي نطمح أن تكون أجيالا تمارس الاستدامة بكل انسيابية في كل تفاصيل حياتها. ومع ثقل الدور، الذي يمكن أن تمارسه المرأة وفعاليته، والذي له من العوائد الكثير على المجتمع، إلا أنها مغفلة وليس لها من النصيب الوافر في مجال الدورات التثقيفية والحملات التوعوية التي تنادي بالاستدامة، عكس ما تحظى به الشركات أو المدارس والجامعات، رغم أن الاهتمام بها وجعل كل امرأة في الدولة مشبعة بثقافة الاستدامة قد يختصر العديد من المراحل وقد يعود بنتائج أحسن. لذا فلنعتبرها مركز تدريب يقدم دورات مكثفة، دورات يعيشها الإنسان من الدقائق التي يصحو فيها من نومه إلى غاية عودته إلى النوم مجددا، دورات تغوص في كل تفاصيل المواطن اليومية، فيتخرج منها ممارسا محترفا لقوانين الاستدامة في مأكله ومشربه، في بيته وسيارته، في الشارع والعمل والتسوق. وبما أن الدروس التي يتعلمها الفرد من مدرسة الأم لا تنسى ولا تمحى وفي الغالب ما تورث لأجيال وراء أجيال، فإن الاستثمار في المرأة في سبيل نشر الاستدامة له من المفعول ما يدوم لأجيال طويلة، وهذا ما يتماشى مع ما تطمح له القيادة الحكيمة من خلال عملها على ضمان مستقبل الأجيال القادمة والتقليل من معاناتهم مع المشاكل التي أصبحت تعاني منها البيئة، وحمايتهم من الشح التي تعاني منه مصادر الطاقة التقليدية. كل هذه الفوائد تضع المرأة على رأس هرم الأولويات، مما يحث على مضاعفة الاهتمام بها، ويدعو إلى استحداث الدورات وإطلاق العديد من الحملات التي تستهدفها، وتجاوز مرحلة المبادرات البسيطة والسعي الخجول والتركيز المخفف، بيد أن المرأة لوحدها قادرة على تحقيق نتائج أكبر بكثير من التي تحققها المرافق الأخرى التي يقصدها المواطن من مدارس وأماكن العمل وغيرها. هذا لا يعني بالطبع أن نستغني عن هذه الحملات، لكن لو أعطيت المرأة الحيز المناسب من الاهتمام، فسيكسب المجتمع الآن ولعقود طويلة قادمة، وبتكلفة أقل وتأثير أكبر.