الاستثمار في إنتاج الهيدروجين
استراتيجية إماراتية تحقق التوازن بين التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة
الظفرة - وام/
تمتلك دولة الإمارات سجلاً حافلاً في الاعتماد على الطاقة النظيفة والمتجددة، حيث باتت سبّاقة في انتهاج أفضل الممارسات العالمية في قطاع الطاقة، جنباً إلى جنب مع آخر التطورات التكنولوجية العالمية، وهو ما عززته بإطلاق استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 التي تستهدف مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية، وخفض الاعتماد على مصادر الوقود الأخرى على مدار العقود الثلاثة المقبلة.
وتسعى دولة الإمارات إلى توسيع مجالات استخدام الطاقة الصديقة للبيئة، معتمدة في ذلك على أحدث الابتكارات الدافعة لمسيرة التنمية المستدامة، وعلى رأسها التحول نحو إنتاج الهيدروجين سواء من مصادر الطاقة المتجددة أو من مصادر الوقود الأحفوري الذي يعتبر حالياً الأكثر تنافسية من حيث التكلفة التي تبلغ 1.5 دولار للكيلوجرام.
وتخطط دولة الإمارات لأن تكون ضمن الدول الرائدة في تصدير الهيدروجين بحصة تصل إلى 25% من سوق الهيدروجين العالمي بحلول 2030، الأمر الذي يساهم في تنويع مصادر إنتاج الطاقة النظيفة في العالم، وهو ما ينسجم مع أهداف محور الطريق إلى تحقيق الحياد المناخي ضمن حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP28" الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، حيث تسعى دولة الإمارات إلى تحقيق أهداف الحياد المناخي وبما يتماشى مع التوجهات الوطنية للدولة وخططها الاستراتيجية.
- طاقة لا تنضب.
ويعتبر الهيدروجين مصدراً من مصادر الطاقة الخضراء التي تعزز مسيرة دولة الإمارات في التحول الأخضر، حيث تمتلك الإمارات أول محطة في الشرق الأوسط لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
كما يعتبر الهيدروجين مصدراً متجدد للطاقة، حيث يشكل نحو 75% من كتلة الكون، وهو أخف من الهواء بمقدار 14 مرة، ولا يسبب انبعاثات كربونية عند احتراقه، حيث ينتج الماء فقط عن عملية احتراقه، ويحتوي كل كيلو جرام من الهيدروجين على الطاقة ذاتها التي يحتويها 2.8 كيلو جرام من البنزين.
ويتمثل التحدي الأكبر في عملية تخزين الهيدروجين، التي لا تعتبر عملية سهلة، نظراً لخفة وزنه الفائقة، حيث يتطلب نقله الخضوع للتبريد من أجل تقليص حجمه وتخزينه عند درجة حرارة 253 مئوية تحت الصفر، مما يعني أن عملية تخزينه ونقله مكلفة جداً.
- مزايا تنافسية.
وتمتلك دولة الإمارات الأسس والمزايا التنافسية التي تجعلها واحدة من أكبر الدول المنتجة للهيدروجين منخفض الكربون والأقل تكلفة على مستوى العالم، حيث تتمتع الدولة بمزايا كبيرة في إنتاج الهيدروجين مثل توافر الطاقة الشمسيّة، وخزّانات الغاز الطبيعي المناسبة للهيدروجين الأزرق، والبنية التحتية القائمة للطاقة، والشراكات التجارية.
وينقسم الهيدروجين إلى عدد من الأنواع طبقاً لمدى خلوه من الكربون، ويأتي على رأسها الهيدروجين الأخضر الذي يتم إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي للماء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية.
و النوع الثاني وهو الهيدروجين الرمادي والذي ينتج من الوقود الأحفوري، ولا سيَّما الغاز الطبيعي أو الفحم اللذين يخضعان لإعادة تشكيل الوقود الأحفوري بالبخار لإطلاق الهيدروجين من جزيئات الهيدروكربون، وهي عملية تؤدي أيضاً إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.
أما الهيدروجين الأزرق فينتج عن تحول الهيدروجين الرمادي إلى هيدروجين أزرق عندما يتم التقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادر عن إنتاجه عبر تقنية التقاط الكربون ما يخفض من تأثيره على البيئة.
-استراتيجية متوازنة.
ويشكل الهيدروجين الأخضر إحدى ركائز مستقبل مستدام يعتمد على تسريع الانتقال إلى الحياد الكربوني لدعم الاقتصاد الأخضر، حيث يحظى الهيدروجين الأخضر باهتمام عالمي متزايد في الفترة الأخيرة، كونه وقوداً نظيفاً يمكن أن يساند الجهود العالمية المبذولة حالياً لتخفيف الانبعاثات الكربونية العالمية والتي تعد عالية التكلفة، والتعامل مع قضية التغير المناخي والاحتباس الحراري. ومن المتوقع أن يسهم الهيدروجين الأخضر في خفض تكاليف إنتاج الطاقة النظيفة ورفع كفاءة إنتاجها.
وتنتهج دولة الإمارات استراتيجية متوازنة تشمل الهيدروجين الأزرق والأخضر، حيث يعتبر التوسع في إنتاج الهيدروجين الأزرق أكثر سهولة، وبالتالي فهو عنصر مهم لدعم نمو السوق العالمية الناشئة.
ويعتبر الهيدروجين الأزرق حالياً أقل تكلفة وخطوة مهمة نحو تطوير اقتصاد الهيدروجين منخفض الكربون، ومع ذلك يُتوقّع أن تنخفض تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر بمرور الوقت.
- إمكانات طبيعية.
وتتميز دولة الإمارات بإمكانات طبيعية كبيرة، بالإضافة إلى بنيتها التحتية الحالية وقدراتها الإنتاجية العالية لكلا النوعين، حيث يتم تمكين إنتاج الهيدروجين الأزرق التنافسي في دولة الإمارات من خلال كميات الهيدروكربونات الوفيرة والتنافسية، والمنشآت الحالية لإنتاج الهيدروجين والأمونيا واسعة النطاق، والقدرات الكبيرة لالتقاط وتخزين الكربون على نطاق واسع.
ويقف عدد من العوامل وراء سهولة إنتاج كلا النوعين من الهيدروجين النظيف منخفض الكربون في الإمارات من أهمها توافر البنية التحتية القوية ومنشآت التصدير في دولة الإمارات، بالإضافة إلى موقع الدولة الجغرافي الوسط بين الأسواق الرئيسية، والبيئة المستقرة والصديقة للأعمال.
خطط طموحة
ووضعت دولة الإمارات خططاً طموحة ترسخ من توجهها نحو الطاقة النظيفة، من خلال استهداف الاستحواذ على 25% من سوق وقود الهيدروجين منخفض الكربون بحلول 2030، ولتحقيق هذا الهدف تنفذ الدولة أكثر من 7 مشاريع في مجال الهيدروجين تستهدف بها أسواق التصدير الرئيسية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا والهند، وأسواقاً أخرى في أوروبا وشرق آسيا.
وتشمل المشاريع: منشأة عالمية المستوى لإنتاج الأمونيا منخفضة الكربون بسعة إنتاجية تصل إلى مليون طن متري سنوياً ضمن منظومة "تعزيز" الصناعية المتكاملة الجديدة، ومشروع الهيدروجين الأخضر ضمن مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية، وهو أول منشأة لإنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية والهيدروجين الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومدينة خليفة الصناعية، ومشروع الأمونيا الخضراء لشركة طاقة وموانئ أبوظبي.
- خطوات سباقة.
وأطلقت شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" العديد من مبادرات الهيدروجين الأخضر، حيث تتخذ خطوات سباقة للتطوير والاستثمار في مشاريع استراتيجية وبناء منصات قابلة للتوسع والتطوير في الأسواق الرئيسية، ومن شأن ذلك المساهمة في دعم جهود إزالة الكربون العالمية ومساعي دولة الإمارات لتحقيق الحياد المناخي، بالإضافة إلى تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر المحلية، بما يحقق قيمة كبيرة لإمارة أبوظبي ويسهم في تنويع الاقتصاد.
وتسعى "مصدر" لإنتاج مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، حيث تركز الشركة على تلبية الطلب على الهيدروجين الأخضر على المستويين المحلي والعالمي من خلال استهداف القطاعات الرئيسية، والتي تشمل الطيران، والأمونيا، والصلب، والنقل البحري، والطاقة، والتكرير، والنقل الثقيل.
وكانت "مصدر" سباقة نحو الاستثمار في مجال الهيدرجين الأخضر، إذ تعمل الشركة حالياً على قيادة مبادرات نوعية في هذا القطاع الحيوي، ومن ضمنها تأسيس مشروع محطة تجريبية في مدينة مصدر، المدينة المستدامة الرائدة في أبوظبي، لاستكشاف فرص تطوير الهيدروجين الأخضر والوقود المستدام وإنتاج الكيروسين من الكهرباء لأغراض النقل والطيران بالتعاون مع شركاء محليين وعالميين. وتندرج هذه المبادرة أيضاً في إطار "تحالف أبوظبي للهيدروجين" الذي تم تشكيله بموجب مذكرة تفاهم بين "مبادلة" وشركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" والشركة القابضة ADQ، ويهدف إلى تطوير اقتصاد الهيدروجين في دولة الإمارات.
وسوف تركز المرحلة الأولى من المشروع على إنتاج هيدروجين أخضر يتم فيها تحويله إلى وقود مستدام للطائرات وسيتم استخدام جزء من الهيدروجين لتطبيقات وتجارب أخرى لتزويد المركبات والحافلات بالوقود ضمن مدينة مصدر. وسيتم بالتوازي مع ذلك بناء محطة لإنتاج كيروسين صناعي. ومن خلال هذا المشروع، سوف تساهم الشركات المشاركة في الحد من البصمة الكربونية لدولة الإمارات، وتعزيز الطلب المحلي على مصادر الوقود المستدامة، فضلاً عن توفير المعارف والخبرة الفنية الأساسية لإنتاج هذا النوع من الوقود محلياً.
كما وقعت "مصدر" وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وشركة "بي بي" اتفاقيات للتعاون الاستراتيجي لتوسعة مجالات الشراكة الثنائية بين دولة الإمارات والمملكة المتحدة في مجال الاستدامة، بما في ذلك تطوير مركزين للهيدروجين النظيف في كل من دولة الإمارات والمملكة المتحدة بطاقة إنتاجية تبلغ 2 جيجاواط.
واستكمالاً لهذه الجهود، أعلنت "مصدر" عن تعاونها مع شركة "انجي"، الرائدة عالمياً في توفير خدمات الطاقة منخفضة الكربون، وتوقيع الشركتين اتفاقية مع شركة "فرتيجلوب"، أكبر مصدر بحري لليوريا والأمونيا التجارية، وذلك بهدف تطوير محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة تنافسية عالمية في دولة الإمارات بقدرة إنتاجية تصل إلى 200 ميجاواط، وذلك لدعم عمليات إنتاج الأمونيا الخضراء.
كما وقعت "مصدر" اتفاقية مع "كوزمو انرجي هولدينجز كو"، إحدى كبرى شركات الطاقة في اليابان، وذلك لاستكشاف فرص تطوير مشاريع طاقة متجددة تشمل مشاريع في مجال طاقة الرياح البحرية باليابان، فضلاً عن التعاون في مجالات الهيدروجين، والمشاريع المتعلقة بالأمونيا، والتقاط واستخدام وتخزين الكربون، ونظم بطاريات تخزين الطاقة، وأنشطة التجارة بالطاقة.
وقد شهد مؤتمر COP27 الذي عقد في مصر العام الماضي أيضاً توقيع "مصدر" وائتلاف شركائها "انفنيتي باور القابضة"، وشركة "حسن علام للمرافق"، اتفاقية إطارية مع مؤسسات مصرية حكومية رائدة لتطوير مشروع للهيدروجين الأخضر بقدرة 2 جيجاواط ضمن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. ويخطط الائتلاف خلال المرحلة الأولى من المشروع لإنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، على أن تبدأ عمليات التشغيل بحلول عام 2026، بهدف تموين سفن النقل البحري في القناة. وسيتم زيادة محطات تصنيع المحللات الكهربائية ضمن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط لتوفر طاقة إنتاجية قد تصل إلى 4 جيجاواط بحلول عام 2030 لإنتاج 2.3 مليون طن من الأمونيا الخضراء المعدة للتصدير إلى جانب تزويد الصناعات المحلية بالهيدروجين الأخضر.
وتركز "مصدر" منذ فترة طويلة على تسليط الضوء على استخدامات الهيدروجين المهمة وذلك من خلال عدة مبادرات معرفية تسعى من خلالها لتثقيف الجمهور بموضوعات الاستدامة ولا سيما موضوع الهيدروجين، ومن بين هذه المنصات أسبوع أبوظبي للاستدامة الذي شهدت دورته الأخيرة انعقاد الدورة الأولى من قمة الهيدروجين الأخضر، التي استضافتها إدارة الهيدروجين الأخضر في شركة "مصدر"، وضمت القمة أكثر من 50 من القيادات الرائدة في مجال الهيدروجين، وممثلين بارزين عن الجهات المختصة في التشريعات والسياسيات ومختلف مراحلة سلسلة القيمة للهيدروجين الأخضر.
- فرص نمو جديدة.
وتعمل شركة "أدنوك"، على تنفيذ العديد من المشاريع والمبادرات التي تستهدف الاستفادة من الفرص التي يوفرها الهيدروجين، وتنتج أدنوك اليوم أكثر من 300 ألف طن سنوياً من الهيدروجين في منشآت التكرير والبتروكيماويات التابعة لها، وتستخدم هذه الكميات بشكل أساسي لأغراض صناعية، كما تعمل أدنوك حالياً على تنفيذ خطط لزيادة إنتاجها من الهيدروجين إلى 500 ألف طن سنوياً، في الوقت الذي تستكشف فيه العديد من فرص النمو الجديدة في مجال الهيدروجين.
وضمن جهودها وسعيها المستمر في هذا المجال، تطور "أدنوك" منشأة عالمية المستوى لإنتاج الأمونيا "الزرقاء" ضمن "تعزيز"، المنظومة الصناعية المتكاملة في الرويس بأبوظبي.
وفي أغسطس 2021، أعلنت "أدنوك" عن بيع أولى شحناتها من الأمونيا الزرقاء من إنتاج الإمارات إلى شركات "إيتوشو, إديمتسو وإنبكس" اليابانية لاستخدامها في إنتاج الأسمدة وإنتاج الطاقة، وتم إنتاج شحنات الأمونيا الزرقاء من قبل "فرتيجلوب" في مصنعها "فرتيل" الكائن في مجمع الرويس الصناعي، وبيعت بأسعار تنافسية مقارنة بالأمونيا الرمادية، ما يؤكد الجدوى الاقتصادية للأمونيا الزرقاء كمصدر جديد للطاقة المنخفضة الكربون.
- تطور متسارع.
ويعتبر مشروع الهيدروجين الأخضر الذي نفذته هيئة كهرباء ومياه دبي بالتعاون مع إكسبو 2020 دبي، وشركة سيمنس للطاقة في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، مشروعاً أساسياً في دعم مساعي دولة الإمارات لتحقيق تنافسية عالمية في سوق الهيدروجين الأخضر الذي يشهد تطوراً متسارعاً وتقدماً مطرداً، حيث تشير الدراسات إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر سيرتفع بنسبة 57% سنوياً ليصل إلى 5.7 مليون طن في 2030، يتوقع أن يبلغ حجمه السوقي لأكثر من 400 مليار دولار.
ويسهم مشروع الهيدروجين الأخضر في تحقيق أسعار تنافسية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث يجري إنتاجه بشكل أساسي عن طريق التحليل الكهربائي للمياه من الطاقة المتجددة. ويمهد هذا المشروع الطريق لبناء اقتصاد أخضر قائم على الطاقات النظيفة ومن بينها الهيدروجين الأخضر الذي يصفه البعض بأنه "وقود المستقبل"، وسيلعب دوراً مهماً ليس فقط في مزيج الطاقة العالمي، ولكن أيضاً في التخفيف من آثار الاحتباس الحراري.