صقارو العالم مُتمسّكون بالحب والوفاء للمغفور له
زايد والصيد المُستدام.. قصة تميّز إماراتية على مستوى العالم
الظفرة/
لا زال الصقارون في مختلف أنحاء العالم مُتمسّكين بالحب والوفاء للمغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ولعطائه الكبير لهذه الرياضة التي ارتقى بها إلى فنّ تراثي أصيل، أحبّه وأتقنه وتفرّد فيه، وأضفى عليه الكثير من أياديه البيضاء وروحه المحبة للطبيعة والحياة البرية، وكان أوّل من أطلق مفهوم "الصيد المُستدام" لينتشر عالمياً بفضله – طيّب الله ثراه -.
وقد حملت السنوات الماضية من معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، الذي تنطلق دورته العشرون صباح السبت 2 سبتمبر، ذكريات جميلة لكافة الأجيال، استطاع خلالها نادي صقّاري الإمارات تقديم رسالة طيّبة عن قيمة التراث والبيئة في الإمارات، وأصبح الحدث، الذي تشرّف في دورته الأولى العام 2003 بزيارة الشيخ زايد، مُلتقى عالمياً لعرض روائع الثقافة الإنسانية، وصار صداه يتردد في كل مكان كأضخم حدث من نوعه في الشرق الأوسط وأفريقيا.
يُعتبر المعرض، قصة نجاح متواصلة على مدى ما يزيد عن 20 عاماً، و20 نسخة من التميّز في صون البيئة والترويج للصيد المُستدام وتقديم التراث، وتعزيز وعي الشباب والأجيال بالتقاليد والثقافة الإماراتية الأصيلة، سيراً على نهج الشيخ زايد - طيّب الله ثراه - .
في سنّ مبكرة جداً، بدا المغفور له الشيخ زايد، وكأنّه قادر على فهم لغة الطبيعة والحياة الأم، وقد رفض استخدام البندقية للصيد منذ عام 1930، وهذا ما حاز تقدير مُجتمعه البدوي ودُعاة المحافظة على البيئة في العالم كافة.
ومن أهم مبادراته في مجال المحافظة على رياضة الصيد بالصقور، تنظيم المؤتمر العالمي الأول للصقارة في مدينة أبوظبي في أواخر عام 1976م والذي جمع للمرة الأولى بين صقاري الجزيرة العربية ونظرائهم في أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأقصى.
وقد كان المؤتمر منطلقاً حقيقياً للاستراتيجية التي وضعها الشيخ زايد بهدف حشد الصقارين ليكونوا في طليعة الناشطين أصحاب المصلحة الحقيقية للمحافظة على الطبيعة وفق مفهوم "الصيد المُستدام" الذي يعود له، طيّب الله ثراه، الفضل في إطلاقه عالمياً.
وبحلول عام 1995 عمل الشيخ زايد على التحوّل من استخدام الصقور البرية إلى الصقور المُكاثرة في الأسر، لتُصبح دولة الإمارات بعدها بسنوات قليلة البلد الأول في الشرق الأوسط الذي يعتمد كلياً على استخدام الصقور المُكاثرة في رياضة الصيد بالصقور.
وفي ذات العام، تمّ الإعلان عن برنامج الشيخ زايد لإطلاق الصقور، الذي يهدف للمحافظة على أعداد الصقور في البرية من خلال إتاحة الفرصة لها للتكاثر في مناطقها الأصلية. فكان الشيخ زايد - رحمه الله - يتبرع سنوياً، بصقوره للبرنامج في نهاية موسم الصيد السنوي، وكان يحثّ صقاري المنطقة على التبرّع بصقورهم أيضاً، وما زال البرنامج مُستمرّاً بنجاح كبير لغاية اليوم، لينجح في إطلاق 2211 صقراً لغاية اليوم من نوعي الحر والشاهين للبرية.
أما برامج إكثار الحبارى - معشوقة الصقارين - في الأسر، فقد قام بإطلاقها الشيخ زايد قبل نحو 46 عاماً، ليبقى هذا الطائر في البرية للأجيال الجديدة ركيزة لتراثهم الأصيل، وهي قصة تميّز ونجاح إماراتية سجّلها التاريخ بأحرف من ذهب.
وفي مجال جهود المحافظة على الصقور وصونها من الانقراض، فقد قامت دولة الإمارات بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة في مجال حماية البيئة والحياة البرية وصون الأنواع، وقبل ذلك كانت مشاريع إكثار الصقور وبرامج إطلاقها قد باشرت أبحاثها وأعمالها في وقت مبكر.
لقد جسّد المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بلا مُنازع الصورة المثالية للصقار العربي، وذلك لصدق حدسه ومعرفته الواسعة بالطبيعة، مما مكّنه من الفوز بإعجاب وحُبّ أفراد مجتمعه البدوي.
في حياة زايد وحتى بعد وفاته، حباه الله بتقدير وثناء العالم بأسره، لعبقرية قيادته وعظم إنجازاته في بناء مجتمع متطور ومتجانس ومتسامح في دولة الإمارات العربية المتحدة.
قيل إن أحسن ثلاث صور يُمكن أن تجتمع في وقت واحد هي: صورة صقر على يد رجل فوق ظهر فرسه أو ناقته، فكيف إذا كانت هذه الصورة للشيخ زايد - طيّب الله ثراه - الصقّار الأول ورائد حُماة البيئة في العالم.
زايد والقنص والشعر
الشيخ زايد شاعر بارز من شعراء النبط، الشعر التقليدي في شبه الجزيرة العربية، وكان يحرص على تشجيع إحياء التراث والعادات والتقاليد في الوقت الذي كان يُدير فيه عجلة التحديث والتطوير والمعاصرة.
تتسم شخصية المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيّب الله ثراه - بالبداوة الأصيلة التي ورثها، وبحكمة وفصاحة رجل الدولة المتمرس، وللحياة البرية أثرها الواضح في صقل شخصيته وطباعه المتميزة بكونه فارساً مهيباً وقناصاً ماهراً ومرتاداً للإبل.
وكان من أحب هواياته القنص، ومن باب اهتمامه بالصيد بالصقور أصدر كتاب (رياضة الصيد بالصقور) باللغتين العربية والإنجليزية حظي باهتمام واسع في الأوساط العلمية. وقد أكد في كثير من المناسبات على أهمية المحافظة على التقاليد العربية الأصيلة ومنها رياضة الصيد بالصقور.
جاء اهتمام الشيخ زايد بالشعر لقيمته الإنسانية والأدبية المؤثرة والمهمة، وباعتباره عنصرا مهما من عناصر الهوية الإماراتية.
قرض الشيخ زايد الشعر النبطي، وصدرت له عدة دواوين شعرية تضم قصائده، وقد نظم على مختلف الأوزان، لكنه أبدى اهتماماً واضحاً بأوزان الشعر النبطي وفنونه التي اشتهرت بها إمارات الدولة منذ القدم، خاصة الونة والردحة والتغرودة.
أما الأغراض الشعرية التي كتب عليها الشيخ زايد، فهي عديدة، وتتنوع بين الغزل وقصائد الحكمة والقصائد الوطنية والاجتماعية وصون التراث، إضافة إلى قرضه ما يُعرف باسم المساجلات الشعرية.
وثمة ملامح مهمة للتجربة الشعرية عند الشيخ زايد، تتجلى في تلك القيم الإنسانية التي احتوى عليها عدد غير قليل من قصائده، وترتبط هذه القيم بثيمات مهمة مثل التسامح والدعوة إلى السلام وتقبل الآخر وتبادل الاحترام بين الفرد والآخر، وأهمية الصداقة والأخوة والتشجيع على ممارسة الهوايات التراثية الأصيلة.