"الغذاء المستدام".. إستراتيجية إماراتية فعالة تسرع التعافي من تداعيات التحديات المناخية
الظفرة/
تبنت دولة الإمارات إستراتيجيات فعالة لتعزيز قدراتها لإنتاج الغذاء بشكل مستدام، وذلك عبر التوسع في تبنّي نظم الزراعة الحديثة، وتحفيز القطاع الخاص وجهات التمويل ورواد الأعمال على الاستثمار في النظم الحديثة، بعد أن فرضت ظاهرة التغير المناخي تحديات على جميع الدول، الأمر الذي استدعى موقفاً عالمياً لوضع خطط وإستراتيجيات تحد من هذه التداعيات.
وكانت دولة الإمارات سباقة في تبني الخطط والحلول العملية التي تحافظ على كوكب الأرض وتسعى إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وزيادة فعالية واستثمارات الطاقة النظيفة، وبادرت لوضع إستراتيجيات نوعية تضمن ترسيخ مبادئ استدامة النظام الغذائي، باعتباره يمثل فرصة كبيرة للحد من تغير المناخ والتكيف معه، وتعزيز الصحة العامة.
وتعمل دولة الإمارات بوتيرة فعالة لتحويل أنظمتها الغذائية إلى أنظمة مستدامة من خلال توظيف التقنيات الحديثة والاستفادة من الحلول الابتكارية وتعزيز التعاون والشراكات بين كافة مكونات المجتمع المحلي في المقام الأول، والتعاون العالمي بشكل عام، حيث وضعت دولة الإمارات هدفاً طموحاً يتمثل في تبوؤ مركز عالمي في مؤشر الأمن الغذائي القائم على الابتكار، وتحول الدولة إلى مُصّدر رئيسي لحلول التقنيات الزراعية الذكية مناخياً.
ولا يقتصر تأثير الغذاء الذي يتم استهلاكه على صحة الأفراد فحسب، ولكن يمتد إلى كوكب الأرض عموماً؛ حيث يعتبر النظام الغذائي العالمي المساهم الأكبر في فقدان التنوع البيولوجي، وزوال الغابات، والجفاف، وتلوث المياه العذبة، وتداعي الحياة المائية، كما أنه ثاني أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بعد صناعة الطاقة.
وانطلاقاً من كون الأمن الغذائي يعد أولوية في دولة الإمارات، وأحد أهم المؤشرات الحيوية على فعالية وكفاءة السياسات الحكومية والتنموية والاقتصادية والبيئية؛ تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، في العام 2018، وشكّلت ركيزة مهمة لترسيخ منظومة متكاملة لإنتاج الغذاء المستدام، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، عبر تحديد عناصر سلة الغذاء الوطنية، التي تتضمن 18 نوعاً رئيساً، لتكون الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051.
وتأتي مبادرة الغذاء المستدام منسجمة مع محور «الأثر»، ضمن حملة «استدامة وطنية» التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «COP28» الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي.
وتهدف حملة "استدامة وطنية" إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، ودعم الإستراتيجيات الوطنية ذات الصلة بالعمل المناخي، بما يحقق التأثير الإيجابي على سلوك الأفراد ومسؤولياتهم، وصولاً لمجتمع واعٍ بيئياً.
- مبادرات وطنية.
وركزت الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051 على تطوير إنتاج محلي مستدام، وتكريس التقنيات الذكية في إنتاج الغذاء، وتفعيل المبادرات لتعزيز قدرات البحث والتطوير، والاستفادة من البنية التحتية واللوجستية ذات المواصفات العالمية في الإمارات لتنويع مصادر الغذاء وبناء جيل يمتلك الرغبة والمعرفة في اختيار غذاء صحي ومناسب، مع ضرورة العمل على مواجهة جميع أنواع الهدر وسوء استغلال الموارد الطبيعية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن العالم يهدر 1.3 مليار طن من الأغذية سنوياً.
وترسيخاً لنهج استدامة الغذاء، أطلقت دولة الإمارات في يونيو 2020 النظام الوطني للزراعة المستدامة الذي يهدف إلى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة للمحاصيل الزراعية المستهدفة بمعدل سنوي يبلغ 5 بالمئة، وتحسين المردود الاقتصادي للمزرعة بواقع 10 بالمئة سنوياً، وزيادة القوى العاملة في المجال بمعدل 5 بالمئة سنوياً، وترشيد كمية المياه المستخدمة في وحدة الإنتاج بواقع 15 بالمئة سنوياً.
كما أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة في مارس 2023 «الحوار الوطني للأمن الغذائي» حيث تم التركيز على تعزيز استدامة الغذاء، والابتكار في قطاع الزراعة، وتسويق المنتجات الزراعية المحلية في ظل الاستدامة، مع الاهتمام بعملية التحول إلى أنماط الاستهلاك الغذائي المستدامة، ومناقشة التحديات والفرص لتعزيز الأمن الغذائي في الدولة.
وكشف مصرف الإمارات للتنمية عن برنامج تمويل التكنولوجيا الزراعية الأول من نوعه في دولة الإمارات، وأعلن عن رصد محفظة مالية بقيمة 100 مليون درهم لدعم تمويل مشاريع الأمن الغذائي الحيوية في الدولة، حيث يهدف البرنامج إلى دعم بناء قطاع زراعي وطني مستدام ومزدهر، وتمكين دولة الإمارات من تبوّؤ مكانة رائدة عالمياً في مجال الابتكار الزراعي وبما يواكب الرؤية الطموحة لتعزيز الأمن الغذائي.
واعتمدت الإمارات تشكيل مجلس للأمن الغذائي لتعزيز منظومة حوكمة ملف الأمن الغذائي بين مختلف الجهات في الدولة، وتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
ومن المبادرات الرائدة في قطاع استدامة الغذاء «مبادرة نعمة» المبادرة الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء، التي تأسست في مارس 2022، بتعاون مشترك بين وزارة التغير المناخي والبيئة، و«مؤسسة الإمارات»، وتهدف إلى تنسيق الجهود الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء بنسبة 50% بحلول عام 2030، كما تواصل هيئة الهلال الأحمر الإماراتي تنفيذ مشروع حفظ النعمة، الذي بدأ منذ عام 2004، للحد من الإسراف في استهلاك المواد الغذائية.
ويعد بنك الإمارات للطعام، الذي تم إطلاقه في عام 2017 تحت مظلة مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، أحد أبرز الجهات في دولة الإمارات التي تعمل على إدارة فائض الطعام وتقليل هدره، وتوزيع الطعام الصالح للاستهلاك على أكبر عدد من المستفيدين داخل الدولة وخارجها، حيث وزع البنك منذ تأسيسه أكثر من 50 مليون وجبة.
وتعمل مناطق خليفة الاقتصادية أبوظبي - مجموعة كيزاد على تطوير بنى تحتية تعزز مساعي إمارة أبوظبي للاستدامة الغذائية وضمان الأمن الغذائي وتقليل مستويات الهدر والتلف، عبر توفير منظومات متكاملة تدعم إنتاج وتجارة المواد الغذائية والبحث والتطوير في مجال تكنولوجيا الأغذية، لتشجيع الاستثمار في آليات إنتاج الغذاء المستدام وتحقيق أهداف الإستراتيجيات الوطنية للأمن الغذائي وترسيخ منظومة الغذاء المستدام في دولة الإمارات.
ويضم قطاع التكنولوجيا الزراعية في كيزاد مختبرات بحثية متقدمة ومرافق لإدارة النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي ويوفر بيئة تشغيلية خالية من الملوثات لتشجيع الاستثمار في تطوير التقنيات الحديثة واستخدامها في تحسين جودة المواد الغذائية وزيادة إنتاجيتها واستدامتها.
وتعمل مجموعة كيزاد حالياً بالشراكة مع مجموعة غسان عبود على تطوير مركز أبوظبي للأغذية على مساحة 3.3 كم2 كأكبر مركز لتجارة الأغذية في المنطقة، والمركز مجهز ببنية تحتية متطورة ومنشآت للتخزين البارد والجاف، وشبكة من مزوّدي الخدمات اللوجستية والخدمات الحكومية وخدمات الدعم التجاري، كما سيتم تطبيق معايير الصحة والسلامة الغذائية الدولية لضمان جودة المنتجات وسلامة المستهلك.
- منصات إلكترونية.
ولتسهيل وصول أفراد المجتمع بشكل سريع وآمن إلى احتياجاتهم التي تخدم منظومة استدامة الغذاء، تم إطلاق العديد من المنصات الإلكترونية في مجالات مختلفة، حيث أطلق مكتب الأمن الغذائي والمائي في دولة الإمارات منصة «أبحاث الغذاء الإلكترونية» المفتوحة عبر موقعه الإلكتروني الرسمي والتي تعد الأولى من نوعها في المنطقة، وتتيح المنصة تعريف الأفراد ومختلف الجهات على أحدث نتائج جهود البحث والتطوير وتطبيق التقنيات الحديثة في مجال الأمن الغذائي، وكذلك تشجيع الاستثمار في آليات إنتاج الغذاء المستدام لضمان توافر سبل التنمية والازدهار للأجيال الحالية والمستقبلية.
وتستعد هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية لإطلاق منصة متكاملة لبيانات الأمن الغذائي والزراعة تقوم على توفير البيانات اللازمة لدعم اتخاذ القرارات ذات الصلة بالأمن الغذائي.
- إنجازات عالمية.
وحققت ‘ستراتيجية الإمارات في الأمن الغذائي وتشجيع أنماط الغذاء المستدام نتائج عالمية، حيث جاءت دولة الإمارات ضمن قائمة ضمت 4 دول فقط على مستوى العالم يمتلك جميع سكانها دون استثناء قدرة تحمل كلفة النمط الغذائي الصحي وذلك وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، كما تصدرت الإمارات دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمؤشر العالمي للأمن الغذائي 2022 الصادر عن «إيكونوميست إيمباكت»، مقارنة بالمرتبة الـ 3 على المؤشر للعام 2021، وجاءت الإمارات بحسب تصنيفات المؤشر في المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المؤشر الإجمالي الرئيسي للأمن الغذائي، واحتلت المرتبة الأولى في المؤشر الفرعي لتوافر الغذاء، والمرتبة الثانية في مستوى جودة وسلامة الغذاء.
- تعاون دولي.
ونجحت دولة الإمارات في تدعيم منظومة أمنها الغذائي عبر سلسلة متكاملة من الإجراءات تتمثل في رفع مستوى التعاون مع الدول والأسواق على مستوى العالم، وتنويع مصادر الاستيراد، إضافة إلى الاستكشاف الدائم للأسواق التي يمكن الاستيراد منها بما يضمن تطبيق أعلى المعايير العالمية لأمن وسلامة الغذاء.
وأطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة ووزارة الصحة ووقاية المجتمع، وجمعية الإمارات للطبيعة والصندوق العالمي للطبيعة ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» حملة توعوية تحت شعار «الغذاء من أجل الحياة»، وذلك ضمن فعاليات قمة مستقبل الغذاء في فبراير 2022، وهدفت الحملة إلى تثقيف الناس والتفاعل معهم حول تأثير اختياراتهم الغذائية على صحتهم وسلامة كوكب الأرض.
ووقّعت أبو ظبي على «ميثاق ميلانو للسياسات الغذائية الحضرية»، ويعتبر من أهم المبادرات العالمية، ويضم أكثر من 250 مدينة، ويمثل ما مجموعه 450 مليون نسمة، بحيث يقدم توصيات وإجراءات ترتبط بدعم النظم الغذائية المستدامة.
كما وقعت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية اتفاقية تعاون مع Hub71، منظومة التكنولوجيا العالمية في أبوظبي، لتسريع تطوير واعتماد التقنيات الرائدة في مجال الزراعة وسلامة الأغذية والأمن الغذائي والحيوي.
واستضافت الإمارات أعمال قمة مستقبل الغذاء والمعرض العالمي للتقنيات الزراعية والابتكار في مركز دبي للمعارض في موقع إكسبو 2020 دبي، بمشاركة أكثر من 100 من القادة العالميين وأكثر من 140 جهة عارضة و50 شركة ناشئة من أكثر من 60 دولة، وشهدت حوارات مهمة لتسريع التحول العالمي نحو أنظمة الغذاء المستدام.